تقاس الأزمات بآثارها، وتمحص بإدارتها، قبل وبعد وقوعها. وفي مدينة مثل مكةالمكرمة ذات التضاريس الصعبة والمكانة المقدسة حيث يقصدها كل عام مابين موسمي حج وعمرة، قرابة 5 ملايين إنسان. تبرز أهمية تشكيل فريق متمرّس يعنى بدراسة الأزمات ويضع الخطط والدراسات للتعامل معها. لذا سارعت وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى إعطاء الضوء الأخضر لأمانة العاصمة المقدسة لتشكيل ((فريق الأزمات))....إدارة الأزمات والطوارئ.في ثنايا الحوار، يشرح ل (عكاظ) مدير إدارة الأزمات والطوارئ بأمانة العاصمة المقدسة المهندس عزت سندي، ماهية الإدارة، ومسببات تكوينها، إضافة إلى أبرز الخطط المستقبلية، وما أنجزته إدارته حتى الآن، فإلى التفاصيل: • إدارة للطوارئ والأزمات، ماذا يعني ذلك؟ - هي إدارة تجمل المهام التي كانت تقوم بها العديد من الجهات الحكومية أثناء حدوث أزمة أو طارئ وتوحدها لفعالية أكثر في عمل المواجهة، وهي أتت كي تلبي حاجتنا للتعامل مع الأزمات والطوارئ، والوضع في مكةالمكرمة يتطلب إعداد برامج متقدمة للتعامل السليم والناجح مع الأزمات التي تواجهها، والإدارة تركز في عملها على التدريب العملي المستمر لصقل مهارات الكوادر البشرية وتنمية أدائها ورفع مستوى جاهزيتها، وضرورة التعاون بين أجهزة الدولة المختلفة للتخفيف من آثار الأزمات، هذا بالإضافة لأهمية تنمية وعي المواطن والمقيم لكيفية التعامل الناجح والسريع مع الأزمات في حال حدوثها لا سمح الله والتدريب على العمل التطوعي للتخفيف من آثار الأزمات التي أصبحت سمة من سمات عصرنا الحالي. ولا أرى أنها تأخرت حيث إن الجهات المختصة كانت تقوم بدور فعال في هذه الأزمات غير أن إدارة الأزمات تجمل هذه المهام وتوحدها لفعالية أكثر في عمل المواجهة. • ما أهم المنطلقات التي تعنى الإدارة بتحقيقها؟ مفهوم إدارة الأزمات الصحيح يشير إلى أننا لا ننتظر وقوع الكارثة، ثم نبدأ التحرك والتعامل معها، وإنما منع حدوث الأزمة. وهدفنا هو وضع عدد الإصابات تحت السيطرة التامة وعدم تجاوزها لحدود النسب العالمية في أسوأ الظروف عن طريق التخطيط فهو العامل الأساسي لنجاح عملية إدارة الأزمات حيث يساهم التخطيط الجيد في منع حدوث أزمة وتلافي عنصر المفاجآت المصاحب لها ويتيح التخطيط لفريق العمل القدرة على إجراء ردة فعل منظمة وفعالة لمواجهة وإدارة الأزمة بكفاءة عالية ولذلك يجب أن يكون هناك سيناريو جاهز للعمل في جميع الأحوال و الظروف. إضافة إلى استخدام التقنية والمعلومات الحديثة لتسهيل أعمال فرق المكافحة (GIS، GPS، البرامج الآلية...) والذي ينتج عنه تشكيل أسس التخطيط المسبق لدعم اتخاذ القرار في مراحل معالجة الأزمات التي تساعد في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، للتعامل الفعال مع الأزمات المحتملة ومواجهتها في جميع مراحلها. • ماهو أساس التعامل مع الأزمات؟ التشخيص الصحيح للأزمات، بكل بساطة،فهو العامل الأساسي في التعامل الناجح معها، وبدون هذا التشخيص يصبح التعامل مع الأزمات ارتجالياً، وتعد المعلومات المتوفرة والصحيحة الأساس للتشخيص الصحيح للأزمات. لذلك من أهم الأفكار هي الاستفادة من الأزمات التي تقع من حولنا، و في جميع أنحاء العالم، وأن نقوم بدراستها لنقف على أسباب حدوثها، وكيفية معالجتها، ونأخذ منها الدروس المستفادة ونطور برامج الوقاية لدينا. ومن الدراسات المطروحة لمواجهة حمى الضنك بالعاصمة المقدسة على سبيل المثال وهي إحدى الأزمات التي نتعامل معها ، تجهيز مختبر حشري متكامل بمكةالمكرمة وتفعيل الاستكشاف الحشري (كثافات البعوض والذباب). وتوجد حالياً دراسة لضم جميع فرق المكافحة التي تتبع للإصحاح البيئي في وزارة الصحة ودمجها لتعمل معاً تحت مظلة إدارة الطوارئ والأزمات بحيث تكون في حالة استعداد دائم وفي كل الأوقات لتشكيل فرق المكافحة حسب ما تقتضي الحاجة. • إذاً عملتم على إدارة أزمة حمّى الضنك؟ صحيح، ونتج عن ذلك انخفاض أعداد الإصابة بمرض حمى الضنك خلال الثلاثة الأشهر الماضية ومنذ نشوء الإدارة إلى 98 في المائة وبعد أن باتت الإدارة هي المعني الأول بالقضاء على هذا المرض، وشرعت إدارة الأزمات في وضع الخطط والاستراتيجيات الواضحة للقضاء على اليرقات الناقلة لمرض حمى الضنك وغيرها من الأمراض التي تنتقل عن طريق هذه الحشرة، ونحن الآن ندخل معتركا خطيرا يتمثل في ديمومة مثل هذه الأوبئة إذا ماتم تفعيل البرامج المضادة لها ووضعت تحت السيطرة كما أن مكة تشكل التحدي الكبير من خلال حماية ما يفوق على 10 ملايين نسمة بين حجاج ومعتمرين وسكان دائمين، بالإضافة إلى إسهام مواسم الحج والعمرة في احتمالية خطر انتقال الأوبئة والأمراض المتمثلة في القادمين من الدول الموبوءة، غير أن الاشتراطات الوقائية التي تفرض عليهم هي خط أحمر يقف إلى جانبنا لمنع انتشارها هنا. • مضن هذا العمل ومكلف، أليس كذلك؟ إن جملة البحوث والدراسات خلصت إلى أن السيطرة على الوباء والحد من انتشاره المخيف يجب أن يبدأ من نقطة الصفر المتمثلة في المصدر لهذا الوباء وهو (البعوض) الذي يشكل معجزة في الفرق بين حجمه وما يحدثه من ضرر يتمثل في قدرته على نقل أمراض وأوبئة من شأنها تشكيل خطر على الفرد والمجتمع بشكل عام، هذا البعوض وإن لم يشكل أي وزن يذكر إلا أنه كلفنا إلى الآن ما يقارب 70 مليون ريال للقضاء عليه. • أرى مجموعة من الشباب ينخرطون في أعمالكم، كيف تم ذلك؟ أتاحت إدارة الأزمات فرصا وظيفية للشباب السعودي المؤهل والذي يتم اختياره وفق معاير ومتطلبات لخبرات تتعلق بجانب العمل المنوط بهم لذا كان في الغالب يتم الاستعانة بطلاب الجامعات المؤهلين والطلاب المتدربين في هذا التخصص وتأهيلهم في مجال تخصصهم بالتطبيق العملي المباشر الذي يقوم به فريق العمل في الميدان، كما أن المحاضرات والدورات السريعة كانت الحل الأمثل لتهيئة الكوادر الملتحقة بالحملة. • يوجد لدى سكان مكة هاجس خوف من المبيدات المستخدمة في المكافحة داخل المنازل،كيف تعاملتم مع ذلك؟ إن المبيدات التي تستخدمها فرق المكافحة آمنة ولم تثبت أية حالة إصابة لأي ممن جرى تنفيذ المكافحة في منازلهم حيث إنه لا يتم استخدام أي مبيد إلا بعد أن يخضع للفحص المخبري لقياس مدى حساسيتها على الإنسان مع الإبقاء على مفعولها المرجو. • المكافحة الميدانية أنواع وتجري وفق خطط وإجراءات فما هي؟ إن المكافحة تشتمل على (المكافحة المنزلية وأعمال الاستكشاف، أعمال الرش الفراغي (خارج المنازل)، خلط المبيدات، تجهيز وصيانة معدات المكافحة، إدارة فريق المكافحة والمكون من أكثر من مائة فرقة ميدانية، الإشراف الميداني، الخرائط التوضيحية ونظم المعلومات الجغرافية GIS، تصميم برامج آلية تفي بمتطلبات أعمال المكافحة). كذلك من أهم خطط الإدارة هو وضع آلية عمل منظمة ومشتركة بين كل الجهات المشاركة في حملة المكافحة والممثلة في أمانة العاصمة المقدسة ووزارة الصحة ووزارة الزراعة للتعاون والمساهمة في القضاء على البعوض الناقل لحمى الضنك وتوثيق جميع البيانات والحالات لتكون كمرجع دائم، ومصدر موثوق يمكن الرجوع إليه والاستفادة منه في تحليل البيانات تحليلاً علمياً مما يؤدي إلى المرونة وسرعة التعامل مع المتغيرات حسب مقتضيات أعمال المكافحة، مثل إعادة تشكيل فرق العمل، و تغيير مواقع العمل حسب المواسم (رمضان، الحج) وذلك للمساهمة في خدمة المجتمع. • يبدو أن عملكم مليء بالعوائق؟ تماماً ومن أبرز المعوقات التي واجهها فريق العمل هو عدم الاستجابة من قبل أصحاب المساكن البالغ عددها قرابة ال(300) ألف مسكن في مكةالمكرمة وضواحيها وذلك لقلة الوعي لدى الجمهور فيما يتعلق بمهام فرق المكافحة لذلك تم الاستعانة بخبيرات في مجال التوعية وكان العنصر النسائي هو الأجدر في القيام بمثل هذه المهمة، وترك مجال العمل الميداني للشباب، وسعى المرشدات إلى إقامة الندوات ونشر ثقافة المكافحة من خلال نقاط التوعية داخل المراكز التجارية الكبرى في مكةالمكرمة والتنسيق مع إدارة التربية والتعليم للمساهمة في التوعية من خلال المدارس والدورات التدريبية للعاملات في هذا المجال، أيضاً من العوائق عدم وجود مختبر حشري متخصص في أمانة العاصمة المقدسة، معوق ثالث تواجهه الإدارة في تنفيذ جملة خططها وهي الطبيعة الجغرافية لمكةالمكرمة التي يصعب معها تنفيذ البرامج وفق ما يتوقع لها. بالإضافة إلى العشوائية التي تعج بها العديد من الأحياء التي يقطنها في الغالب المتخلفون ومخالفو أنظمة الإقامة والعمل. • ماذا عن الاستراتيجيات بعيدة المدى وأبرز خطة تتطلعون لتنفيذها؟ استراتيجيتنا للخمس السنوات القادمة بمشيئة الله هي إنشاء نظام معلومات جغرافي يضم بيانات كاملة للحالات المرضية وأماكن الإصابات وبؤر توالد البعوض ومناطق المكافحة والربط المكاني للمعلومات بالخرائط بما يتيح لنا إجراء التحليل وإنتاج مؤشرات توجيه جهود مكافحة البعوض الناقل لحمى الضنك، إضافة إلى نظام ميكنة خاص بإدخال البيانات التي يتم جمعها بمعرفة فرق المكافحة والاستكشاف الميدانيين من الجهات المختلفة للقضاء على البعوض، وعمل نظام ميكنة خاص بإنتاج خرائط المكافحة الميدانية المبني على قاعدة بيانات نظام المعلومات الجغرافي. • أمامكم محك حقيقي، أثناء موسم الحج المقبل، ماذا وضعتم في الاعتبار؟ سنواجه خلال موسم حج هذا العام إثبات فعالية الخطط المدروسة والتي سبق وضعها وفق معاير المختصين بحيث إن مكةالمكرمة ستعيش في الفترة القادمة طبيعة مناخية معتادة ومهيأة لمواجهة أمراض موسمية عدة لذا جرى التنسيق مع الجهات المختصة بمساكن الحجاج والتي تربو على 7 آلاف مسكن للمسح الشامل من قبل فرق إدارة الأزمات والهدف من ذلك القضاء على البؤر الصالحة لتوالد البعوض الناقل لحمى الضنك بالإضافة إلى فعالية المواد التي تستخدم في المكافحة حيث تسهم في تأمين أخطار أخرى تتجاوز مهمة القضاء على حمى الضنك.