الإنسان خلقه الله تعالى وجعله مكوناً من شيئين رئيسيين، جعله جسداً يأكل الطعام ويتغذى ويشعر بالحواس الظاهرة ويكتسب بها الخبرات كالسمع والبصر والشم والإحساس والذوق، ثم جعل له روحاً تحرك هذا الجسد وتقوده وتسيطر عليه، فكل غذاء للبدن يؤثر على الروح، وكذلك الروح لها أغذية وأغذيتها تؤثر على البدن، وذلك كما يلي: فالإنسان الجائع لا يمكن أن يفكر جيداً، لذلك قال صلى الله عليه وسلم «لا يقض القاضي وهو غضبان» وقاس الفقهاء والأصوليون الجائع ومشغول الذهن على الغضبان، فالجوع والشبع والألم واللذة تؤثر على الروح والفكر والعقل وكذا غذاء الروح، يقول أحد العلماء إن الإنسان إذا تعلق قلبه وفكره بصورة غطت على عقله وصارت مسيطرة مهيمنة على خياله وتصوره لا يرى غيرها ولا يعرف سواها، كما قال أحدهم: أحب لحبها السودان حتى أحب لحبها سود الكلاب، وقد كان أحب امرأة سوداء فتعلقت صورتها بقلبه وكلما تقرب شخص من آخر فهو يرى صورته تنطبع على قلبه، فإذاً الروح والجسد متصلان اتصالا عظيماً في الدنيا والبرزخ والحياة الآخرة. والفكر هو حركة القلب أو العقل تجاه أمر ما، أو هو ترتيب أمور معلومة لتؤدي إلى مجهول نظري تصوري أو تصديقي الفكر أعم من الاعتقاد، والفكر قد يورث ويستقى من البيئة، ولذلك كانت مشائية أرسطو تقوم في بعض صورها خاصة في تصورهم للإله على الفكر الوثني؛ لأن اليونان أمة وثنية تعبد الآلهة في معابدها ثم تهينها في أفراحها وحفلاتها لذلك خرجت مسألة العقول العشرة، وتصورهم لها يتلخص في أن الإله عندهم وجود محض لا يتصور منه فعل بل هو ساكن ثم أنشأ العقل الأول، والعقل الأول أنشأ العقل الثاني والنفس للفلك ثم وهكذا فكل عقل أنشأ عقلا بعده ونفساً إلى أن صارت العقول عشرة منها العقل العاشر المبدع والخالق لكل الأكوان المتضمن لإيجاد الكثرة لأنهم استصعبوا صدور الكثرة عن الواحد فأنشأوا عقولا عشرة مع أن بعض الفلاسفة كالسهروردي المقتول وغيره نقضوها ومنها نشأت نظرية الفيض التي سنتكلم عنها في مواضع لواحق إن شاء الله تعالى، على كل حال سنتناول الفكر وعلاقته بالعقل والنفس والفلسفة والمنطق وأثر العقل على الفكر وعلاقة الفكر بالبيئة والثقافة وهذه توطئة نريد منها مدخلاً للموضوع، والخلاصة أن الإنسان بطبعه مفكر والفكر لا يهتدي إلى الصواب المطلق إلا بالوحي لذلك كانت الرسل أسعد الناس للخلق. *عضو المجمع الفقهي