أشياء كثيرة لم أعرفها أو أحس بها أو أقدرها حق قدرها تعلمتها في ندوة قصيرة لجمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي. مع أنني من الناحية المهنية كنت قريبا إلى حد ما لهؤلاء المرضى، إلا أنني اكتشفت أنني للأسف من الناحية الإنسانية كنت بعيدا جدا. الكليتان الصغيرتان اللتان نحملهما في أجسامنا تمثلان محطتي تنقية كاملتين تعملان ليل نهار بدون انقطاع. نحملهما معنا في كل مكان دون أن نحس بهما إلا إذا توقفتا عن العمل، لا قدر الله، لسبب من الأسباب الكثيرة التي تؤدي إلى فشلهما. أحيانا يكون الفشل مؤقتا لأسباب عارضة ويمكن للكليتين العودة إلى العمل بعد إزالة السبب، أما في حالات أخرى فيصبح الفشل دائما حين تفقد الكليتان قدرتهما نتيجة الإصابة بأمراض مزمنة مثل مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو بعض الأمراض الوراثية وقد ينتج ذلك بسبب الاستعمال المفرط للأدوية أوالمخدرات أو التعرض للسموم. عندما يحصل هذا الفشل الدائم للكلى تنقلب حياة المريض رأسا على عقب ويصبح محتاجا إلى الرعاية الطبية المستمرة وإلى مساعدة الكثيرين، بل إن إصابته في الواقع تعادل الإصابة بإعاقة دائمة، تصوروا أي حياة يعيشها الإنسان إذا كان مضطرا لزيارة أحد المراكز المتخصصة في غسيل الدم ثلاث مرات في الأسبوع ولعدة ساعات في كل مرة ويتكرر ذلك بدون انقطاع في كل أسبوع حسب جدول صارم من المواعيد طوال العام لسنوات عديدة أو طيلة العمر. مهما أتيح لهذا الشخص من إمكانيات فإنه لا يستطيع القيام بذلك إلا ببالغ المشقة والعناء، فما بالكم إذا لم تتوفر له وسائل المواصلات أو المرافق المناسبة؟ ماذا لو لم تسمح له ظروف عمله أو دراسته، ماذا لو كان يسكن في منطقة بعيدة أو قرية نائية؟ ماذا لو لم يستطع تحمل تكلفة الغسيل التي قد تصل إلى أكثر من مائتي ألف ريال سنويا (450 ريالا فقط لمستلزمات جهاز الغسيل للمرة الواحدة، عدا ثمن الجهاز نفسه والكشف الطبي والتمريض والتحاليل المخبرية والأدوية وغير ذلك)، أما إذا حدثت مضاعفات فإن تكاليف علاجها قد تصل إلى مبالغ طائلة. حكايات مرضى الفشل كثيرة ومعاناتهم تدمي القلوب وتدمع العيون. زراعة كلى جديدة من متبرع قد تنقذ من يحالفهم الحظ من المرضى ولكن طابور الانتظار طويل جدا لعدم توفر العدد الكافي من المتبرعين ولا أمل في أن يتغير ذلك على المدى المنظور. يبلغ عدد المصابين بمرض الفشل الكلوي في بلادنا حاليا 9600 مريض، وهذا العدد يتزايد باستمرار. وهناك 550 وحدة غسيل موزعة على أرجاء المملكة، في المستشفيات الحكومية والخاصة، وهي غير كافية. وكثير من الوحدات الموجودة يحتاج إلى تحسين أو استبدال، وبعض المناطق في حاجة إلى مراكز جديدة. موضوع الفشل الكلوي أكبر بكثير مما تصورت سابقا، بل إنه يحتاج فعلا إلى برنامج وطني تتكاتف فيه جميع أجهزة الدولة والقطاع الخاص وكافة المواطنين، وهذا ما فعلته جمعية الأمير فهد بن سلمان التي أعدت هذا البرنامج ورفعته إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الذي وافق عليه فورا. هذه الجمعية بدأت بسبب معاناة شخصية بسبب الفشل الكلوي لشخصيات مرموقة كانت وراء إنشائها وتطورت بسبب إحساس تلك الشخصيات وجميع من انضم إليها من متطوعين وعاملين بالمعاناة الهائلة لمرضى الفشل الكلوي. الجمعية قطعت شوطا كبيرا فأصبحت تشرف على 20 في المائة من مرضى الفشل الكلوي في المملكة، تتكفل بعلاج 570 منهم، وتسعى لإدراج 1200 آخرين. هذه الجمعية تقدم مساعدتها للجميع سواء كانوا مواطنين أم مقيمين، بل إن عدد المقيمين المستفيدين يفوق عدد المواطنين. وتقوم الجمعية ببناء أكبر مراكز غسيل الدم في العالم في جدة. ومن أجمل ما تقوم به الجمعية التنسيق بين كافة الجهات لتطوير مستوى الرعاية التي تقدم في هذا المجال، وكذلك مساعدة مصابي الفشل الكلوي على الحصول على المعونات المالية والمنح الدراسية وتدريبهم وتوظيفهم، وأيضا القيام بجهود التوعية للوقاية من أسباب المرض، ثم الحث على التبرع بالكلى في حالات الوفاة الدماغية. تعتمد الجمعية في كثير من أمورها على الجهود التطوعية من موظفين حكوميين ومن الجمعيات الخيرية والقطاع الخاص مما يقلل كثيرا من تكاليفها الإدارية ويجعل مبالغ التبرع تنصب كلها في تغطية تكاليف علاج المرضى. ومن أهم ما تفعله الجمعية حاليا قيادة حملة شعبية تتيح للجميع فرصة المشاركة بسهولة في التبرع لمرضى الفشل الكلوي بواسطة إرسال رسائل الجوال على الرقم 5060. في شهر رمضان الكريم ترحمت على قريب توفي في مقتبل شبابه قبل شهرين، وعلى زميل فاجأنا بموته غير المتوقع قبل ذلك بقليل، كلاهما عانى من الفشل الكلوي لسنوات، ودعوت لصديق تبرع ببناء مركز متخصص في غسيل الدم لمرضى الفشل الكلوي تخليدا لذكرى والده الذي عانى من هذا المرض. وفي رمضان وعيد الفطر المبارك استلمت وأرسلت رسائل كثيرة على الهاتف الجوال، من أجمل تلك الرسائل كانت الرسالة إلى الرقم 5060. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة