يطالب الإخوة في المغرب بين حين وآخر باستعادة مدينتي سبتة ومليلة اللتين تحتلهما أسبانيا مع أنهما جزء لا يتجزأ من التراب المغربي ولكنه حكم القوي على المسالم ولا أقول الضعيف! وعندما زرت جبل طارق قبل نحو ثلاثة أشهر وقفت على قمته ومددت بصري باتجاه الشواطئ المغربية فرأيت من هناك العجب العجاب، فقد كان على يميني على مد البصر شاطئ مدينة طنجة المغربية ويسمونها في الغرب «طنجير» وكلمة طنجير تستخدم في أم القرى شعبيا وصفا للرجل الذي يكون ضخم الجثة ضعيف الهمة، وفي مثله قال الشاعر: لا بأس في القوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير وكان على يساري على مد البصر أيضا مدينتا سبتة ومليلة اللتان لا يحتاج أي إنسان يراهما عن بعد أو عن قرب إلى برهان آخر ليتأكد أنهما مدينتان مغربيتان وأن أهلهما مغاربة وأن بينهما وبين التراب الأسباني مياه البحر فلا تواصل بينهما إلا بالوسائل البحرية، فيما تعتبر المدينتان امتدادا واقعيا وجغرافيا للتراب المغربي ولكن أسبانيا لا ترى كل ذلك، وتصر على استمرار احتلالها لهذا الجزء من الأراضي المغربية؟! وفي المقابل فإن جبل طارق هو جزء لا يتجزأ من التراب الأسباني حتى أننا عندما أردنا زيارة مدينتي ملقا وماربيا الأسبانيتين ونحن في جبل طارق لم يستغرق وصولنا إلى الأراضي الأسبانية وتجاوز الحدود بين آخر نقطة في جبل طارق وأول نقطة في أسبانيا سوى أقل من دقيقة، وأكرر لمزيد من التوضيح أقل من دقيقة هي المدة اللازمة لتجاوز سيارتنا للبوابة الفاصلة بين النقطتين، ومع ذلك فإن جبل طارق تابع للتاج البريطاني وإن كان له حاكم بريطاني الأصل طارقي الجنسية، مع أن المسافة بالطائرة بين لندن وجبل طارق تزيد على ثلاث ساعات، ولم تفلح مساعي ومطالبات الأسبان في استعادتهم لجبل طارق الذي سمي باسم الفاتح الإسلامي العظيم طارق بن زياد عند قيامه بالتمهيد لفتح الأندلس ووضع نواة للدولة الأموية في تلك البلاد ليجيء عبد الرحمن الداخل في ما بعد ويقيم هناك دولة متحضرة لم تزل آثارها العظيمة ماثلة للعيان في غرناطة وقرطبة وقصور الحمراء وطليطلة وفي عيون الأسبان أنفسهم وفي لغتهم التي تختزن مئات الكلمات العربية، ولذلك فإن المفارقة الملفتة للنظر هي أن تحتل أسبانيا مدنا مغربية يفصلها عنها البحر ولا يكون لها حكم على جزء من أرضها في جبل طارق لتأتي بريطانيا من آلاف الأميال عبر البحار واضعة يدها الغليظة على الجبل ليصدق عليهما قول الشاعر: «وما من يد إلا يد الله فوقها وما ظالم إلا سيبلى بأظلم». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة