«أنا البحر في أحشائه الدر كامن»، «لقد ناديت لو أسمعت حيا»، ومع ذلك الجمع المحالف لهذه النداءات الشعرية من أصحاب الأطروحات ومؤيديها من النقاد والأدباء في ضرورة صون لغة الضاد والحفاظ عليها إلا أنها تختفي بهدوء وتدرج يخشى من سوء خاتمته. هذا الاختفاء في حقيقة الأمر هو مواز لاختفاء روادها وجيلها، جذور اللغة وأصالتها العريقة الفصحى ستسمعها في مجالس صنعاء وعلمائها، في باحة الشام ودياره في سمر نجبائها، في ساحة الأزهر، ولا تنسوا جامعة الإمام سعود. هذا الموروث التاريخي لم يستطع أن يحفظ لنا ذلك الوتر النغمي العتيق حتى بات اللحن الفج غير نشاز ومستساغا حتى لو خالف أدنى ذائقة فنية. لغة تستمد قوتها من كتاب الله تعالى الذي وسعته علما بما تحمله من مرونة وقدرة على الاشتقاق واحتواء العلوم الأخرى ترجمة وتعريبا. ومن أشد المتهمين في هجر الفصحى وركاكتها الإعلام والصحافة، حيث يلاحظ على لغة الصحافة خروج التعبير فيها عن قواعد الصياغة والتركيب التي ألفها العرب في لغتهم، مما يعمل على هدمها وتشويهها كتغليب الجملة الاسمية على الجملة الفعلية في استعمالات الصحافيين للغة، وإضافة المضافين وتعدد الأفعال وتعدية الفعل إلى مفعولين تعدية مباشرة بالرغم من أنه في الأصل يتعدى إلى مفعول واحد. بعض رجال الصحافة لا يفرقون بين اللغة السلسة والصعبة التي لا يفهمها إلا الأقلون واكتفاؤهم بنظرية «السياق لمالينوفسكي» فحسب، فمن نقاضي؟ محمد ناصر جفن نجران