الباحث في أخلاقيات رسول الأخلاق صلى الله عليه وسلم، ليعجز عن الإحاطة بها علما؛ إذ التعرض لحصر جزئيات أخلاقه مما لا طاقة لي به، وإني كلما أردت أن أضع القلم لأختم ما أكتبه عن هذا الموضوع أجد في النفس التقصير والضعف، وأنه بقي جوانب لم أتطرق إليها، وهنا أبحث جزئية محددة من أخلاقياته عليه الصلاة والسلام، وهي أخلاقه في الحرب، فكيف بالبحث في أخلاقه وشمائله في سائر أحواله: الذاتية، والاعتقادية، والتعبدية، وغيرها من جوانب حياته المتعددة. وإن أبرز ما تجلى لي من نتائج حول أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في الحرب: شمول منهجه وكماله وتفرده في العدالة والاعتدال والوسطية ومعالجته لجميع الأمور في جميع الأحوال وصلاحيته لكل زمان ومكان، وعظم مكانة الأخلاق في الإسلام، وأن أخلاق الحرب في الإسلام ربانية المصدر نبوية التطبيق، والتفريق بين مصطلحي الحرب والجهاد، وأن الحرب استعملها اليهود والنصارى لفرض عقيدتهم وطبيعتها عندهم غير أخلاقية، أما في الفكر الغربي الحديث فهي أشد عنفا وأبعد عن الأخلاق والحضارة، أما أهداف الحرب في الإسلام سامية ليست مادية أو عدوانية، وكانت الأخلاق النبوية في الحرب مسيطرة عليها في كل أدوارها في ابتدائها وسيرها وانتهائها، وقد تميزت بمجموعة من القيم والأخلاقيات، إضافة لحرصه عليه الصلاة والسلام على إعداد القوة بكل معانيها المادية والمعنوية، وحرصه أن تكون أمته عزيزة منيعة لها الريادة والقيادة بين الأمم، وتكريمه عليه الصلاة والسلام للإنسان، لذا كان النموذج الفريد في العدالة والوسطية والسماحة حتى مع أعدائه، وتوازنه في تسامحه إلى أبعد مدى طالما الثوابت والقيم راسخة، وحرصه على تحرير المرأة وإعطائها كرامتها الحقيقية حتى أثناء الحرب. ومن خلال الدراسة التحليلية لجوانب السيرة النبوية الثلاثة: الجانب الاقتصادي، الجانب السياسي، والجانب العسكري، ومدى انشغاله صلى الله وسلم بهذه الجوانب الثلاثة في حياته، اتضح أن نسبة الجانب العسكري إلى مدة بعثته صلى الله عليه وسلم 7 في المائة، وفي هذا رد على أعداء الدين من المستشرقين وغيرهم الذين يروجون لشبهة: أن الرسول كان رجلا حربيا ومقاتلا فقط طيلة حياته. * المدير التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين.