يخطئ من يتصور أن الدراما، سواء كانت كوميدية أو تراجيدية، هي مجرد ملهاة أو عبث تلفزيوني يمر مرور الكرام دون أن يترك أثرا أو يشكل انطباعا لدى المتلقي. الدراما ليست نقلا كربونيا للواقع، لكنها مرآة تحاول أن تنقل صورة عن مجتمع ما بلغة درامية مقنعة ومؤثرة، لذلك لا أستغرب عندما حدثني صديق تونسي وهو شاعر معروف لم يسبق له زيارة المملكة مستفهما عن المجتمع السعودي طبيعته وأسلوب حياته وطريقة تفكيره عطفا على ما يشاهده من الأعمال الدرامية السعودية التي تعرض في قناة MBC واسعة الانتشار عربيا. حاولت أن أنقل له بشفافية صورة موضوعية عن المجتمع السعودي والإنسان السعودي وعندما انتهيت قال مستغربا: إذاٍ السعوديون ليسوا «دلوخ» التي تعني كما فهمت من سياق مسلسل «بيني وبينك» دراويش. هنا أدركت سبب اتصاله وسؤاله، وهنا أيضا تبدو لنا خطورة الصورة التي يمكن أن تشكلها الأعمال الدرامية عن مجتمع أو إنسان ما، وأن المسألة ليست مجرد تهريج وساعات للفرجة العبثية وهذه الحقيقة التي أجزم أن نجما مثقفا وموهوبا وأحد أعمدة الفن السعودي هو راشد الشمراني يدركها تماما، كما أن شابا موهوبا ومقبولا من الناس مثل فايز المالكي يعي مدلولاتها ومع ذلك فمشوار الدلوخ يتواصل للعام الثالث على التوالي في إصرار على ترك ذلك الانطباع السلبي عن المجتمع السعودي وهو ليس بالمجتمع المثالي فله ما له وعليه ما عليه، لكنه أيضا ليس مجموعة من الدراويش والنصابين والمتيمين ب «لميس ونور»، كما أن الفنان السعودي ليس بذاك المهرج الذي لا يتقن سوى الصراخ. استوقفتني عبارة قالها مناحي لنور بعد زواجهما الموهوم «انتبهي لا يجيكي أبو خشم كبير وقصير ودب ويقولك اسمعي كلامي وأنا أطلعك في MBC». هنا مناحي تحدث عن حسن عسيري الحقيقي وليس عن «دنحي» الممثل الذي لا زال يحاول فرض نفسه بقوة المنتج وهو لا يملك الموهبة التي هي الأساس للاستمرار والنجاح والإقناع، في حين استطاع مدير إنتاج مثل عمر الديني عبر شخصية «مامادو» أن يصل إلى الناس لأنه موهوب. في ظني أن العبث الذي يقدمه مسسلسل «بيني وبينك» أكثر خطورة مما قام به «المجاهر» من إساءة للمجتمع والإنسان السعودي. ويبقى «طاش ماطاش» العلامة الفارقة في الكوميديا السعودية الهادفة خصوصا في حلقتيه الأولى والثانية، وأتصور أن الأقوى سيكون في الحلقات المقبلة. «عقاب» في جزئه الثالث وتحت مظلة نجم كبير بحجم محمد الطويان جاء هذا العام أكثر تركيزا ونضجا وواقعية. «أم الحالة» ثنائية رائعة وتناغم بين النجم الحبيب والكاتب والمخرج الصيخان. من تابع مقالة الأسبوع الماضي والتغيرات التي حدثت بعد ذلك في برنامجي «حروف وألوف، سباق المشاهدين» يدرك أن هناك من يتقبل النقد الموضوعي بصدر رحب وهذا ما فعله الشهري والغامدي.