لعل بعض القراء قد اطلع على مبررات حملة «ولي أمري أدرى بأمري» . كتبت في الأسبوع الماضي عن الحملة من حيث الشكل الخارجي الذي وجدته مثيرا للاهتمام . لكن الحملة من حيث المضمون تنطوي على خطأ جوهري لعل السيدات اللاتي يقفن وراءها قد انتبهن إليه الآن . يتمثل هذا الخطأ في الربط المتكلف بين واقع اجتماعي تسنده تقاليد متوارثة، وبين مبررات دينية ينبغي أن تبقى متجردة عن هذا الواقع . تقول إحدى وثائق الحملة أن ولي الأمر المقصود هو «النسخة المثالية»، أي الرجل الذي يوفي بمسؤولياته كلها وليس النسخة المعروفة في مجتمعنا، أي الشخص الذي يحول الولاية إلى مبرر للتحكم الشخصي. وتقول وثيقة أخرى إن مرجع الحملة هو التعاليم الدينية التي تلزم المرأة بطاعة وليها. والحقيقة أنه لا يوجد نص واحد في القرآن أو السنة يدل دلالة قطعية على مفهوم ولاية الرجل على المرأة المتعارف في مجتمعنا في هذا الوقت. الآراء والأدلة التي تقال في هذا السياق تتسم جميعها بطابع اعتذاري، تبريري، أو دفاعي، وغرضها جميعا هو تسويغ وضعية اجتماعية خاصة، هي الوضعية القائمة في مجتمعنا اليوم. لكن جميعها قابل للرد والنقض بأدلة عقلية أو بنصوص أخرى، فضلا عن دلالة التجربة الحسية. فكرة الولي المثالي تتحدث عن شيء غير موجود في الواقع ولا يمكن إيجاده. لأنها لو كانت قابلة للتطبيق الواقعي لما وصفت بالمثالية. نعم هناك رجال أفضل من غيرهم ، لكن المشكلة لا تكمن في كون الرجل فاضلا أو غير فاضل. المشكلة تكمن في فكرة «حاجة الإنسان رجلا كان أو امرأة إلى ولي» ، وهي فكرة تستبطن مخالفتين بارزتين لروح الدين الحنيف. المخالفة الأولى هي أرضية الفكرة، أي اعتبار المولى عليه المرأة في هذه الحالة إنسانا ناقص الأهلية. والنقص هنا متعلق بكفاءتها الذهنية والروحية. وهذا خطأ واضح لأن القرآن يتحدث عن خلق الإنسان «في أحسن تقويم»، وليس ثمة دليل على أن الرجل فقط هو المقصود بالإنسان في الآية المباركة، كما لا دليل على استثناء المرأة من عموم الآية. حسن التقويم لا يعني بطبيعة الحال الشكل الخارجي، بل التكوين الكلي، وأهم تجسيداته بالنسبة للإنسان هي الكفاءة العقلية والروحية. إضافة إلى نص القرآن الكريم، فأمامنا الدليل الحسي: ملايين السيدات في شرق العالم وغربه حصلن على الاستقلال الكامل وتحملن المسؤولية الكاملة عن أنفسهن وحياتهن، ولم يشعرن أبدا بالحاجة إلى كفيل ينوب عنهن في التفكير واتخاذ القرار في صغير الأمور وكبيرها. أما المخالفة الثانية لروح الدين فتكمن في أن ولاية الرجل على المرأة بالمفهوم المتعارف في مجتمعنا تؤدي موضوعيا إلى تقسيم المجتمع إلى طبقتين، طبقة السادة، أي الرجال، وطبقة الأتباع، أي النساء. فالطبقة الأولى تتحمل مسؤولياتها ومسؤوليات أتباعها، والطبقة الثانية تتهرب من مسؤولياتها بإلقائها على عاتق الغير. دعنا نقرأ معا مثالا قرآنيا قريبا من هذا المعنى: «وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجه لا يأتي بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم» (النحل 76). ما الذي يختاره الإنسان بعد قراءة الآية المباركة: الأبكم الذي هو كل على مولاه، أم العدل الذي يحمل عبء حياته بنفسه؟. ليس هنا مجال الجدل الفقهي حول مفهوم ولاية الرجل وقوامته، وهو مفهوم غير محرر تماما، وأرى أن ما يتداوله كثير من الفقهاء في هذا الباب هو إقحام لمفهوم تولد ضمن عرف خاص، وهو قابل للتغيير مع تغير هذا العرف، أو مع الاستعانة بعرف مجتمع آخر. بل إن التساهل قد أدى ببعض البحوث الفقهية إلى تسويغ تقاليد اجتماعية خاصة، بدل مجادلة الواقع بحثا عن اجتهاد قريب من روح الدين. أقول ليس هذا هو المحل المناسب لنقاش هذه المسألة، لكن من المهم الإشارة إلى أن المضمون القيمي لحملة «ولي أمري أدرى بأمري» يتعارض مع روح الدين الحنيف تعارضا لا يخفى على أي قارئ للشريعة، رغم أنها تدعي الانطلاق من تعاليم الدين وشريعته. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 109 مسافة ثم الرسالة