مشاريع المدن الآمنة بيئيا أو الخضراء ليست جديدة على العالم، فقد سبقتنا دول كثيرة إليها خصوصا في أمريكا وأوروبا وآسيا، وآخر إنجاز عالمي في هذا المجال العاصمة الصينية بكين التي فرضت خطوات كثيرة لتتحول مدينة خضراء، حيث أنفقت على مدى السنوات الماضية (حسب موقع شبكة الصين) 120 مليار يوان (19 مليار دولار) لتحسين نوعية الهواء والقضاء على نسبة التلوث وحماية البيئة من خلال تشجيع مشروعات التحول إلى الطاقة النظيفة وتشديد معايير الانبعاثات الضارة من السيارات. وعلى سبيل المثال كان عدد الليالي ذات السماء الصافية التي يطلقون عليها في بكين وصف «الليالي الزرقاء» العام 1998 100 ليلة فقط، ووصل إلى 245 ليلة عام 2007، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، الذي وضعته المدينة وهو «سماء بدون تلوث» شجعت السلطات السكان على التحول إلى الكهرباء في التدفئة بدلا من الفحم، فضلا عن رفع نحو 70 ألف سيارة وثلاثة آلاف حافلة قديمة من الخدمة وتجديد عشرة آلاف أخرى، كما طبقت أشد المعايير صرامة بالنسبة إلى انبعاثات عوادم السيارات بهدف الوصول إلى المعايير الأوروبية، مع التوسع في استخدام الغاز الطبيعي، حيث كانت بكين تستهلك 300 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي عام 1998، أصبحت 4.7 مليار متر مكعب العام 2007، ونحو 6.8 مليار العام الحالي. مصادر العواصف وفرضت الحكومة على مواقع البناء تغطية الرمال ومخلفات البناء بأغطية بلاستيكية وغسل إطار السيارات قبل مغادرتها هذه المواقع ونثر رذاذ الماء في الهواء لاحتواء الأتربة العالقة. كما فرضت غرامات صارمة على كل من يخالف هذه الإجراءات. وفي محاولة للقضاء على العواصف الرملية، طبقت نظرية المكافحة من المنبع، وحولت مصادر هذه العواصف في منغوليا الداخلية وشينج يانغ وقانسو إلى مسطحات خضراء، حتى تحولت إلى حزام طبيعي يقي بكين شر العواصف وأنفقت هيئة حماية البيئة التابعة للدولة ستة مليارات يوان للسيطرة على العواصف الرملية. وإضافة إلى مكافحة السحابة السوداء اتخذت الحكومة إجراءات صارمة لمكافحة التلوث مثل إعادة معالجة مياه الصرف وتنظيف مياه الأنهار والبحيرات. حزام أخضر وتوسعت الحكومة الصينية في مساحة الغابات حتى أصبحت تغطي 51 في المائة من مساحة بكين، وبلغ نصيب الفرد 47 مترا مربعا من المسطحات الخضراء. كما زرعت الأشجار في منتزه الغابة الأولمبية بمساحة 680 هكتارا ويجري العمل حاليا على زراعة نحو 100 منطقة خضراء في قلب المدينة و110 من الشوارع والطرق الرئيسية في أنحائها. وقبل انطلاق بطولة الألعاب الأولمبية الأخيرة التي استضافتها العاصمة الصينية كان يوجد 29 منتزها بلغت الآن 60 منتزها تبعد المسافة بين كل منها نحو ثلاثة كيلو مترات فقط، وهذه الأحزمة الخضراء أصبحت تمثل جدرانا من الأشجار والغابات حول بكين لصد العواصف الرملية ومنع السحابة السوداء من غزو قلب المدينة. ومن بين مصادر التلوث الخطيرة التي تصدت لها الحكومة الصينية دخان المصانع الملوثة للبيئة، حيث أزيل 200 مصنع من هذه المصانع منذ العام 2005 وزيد الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والطاقة البديلة مثل طاقة الرياح والمياه وغيرها حتى أضحت بكين الآن مدينة خضراء بامتياز بعدما كانت مدينة التلوث حتى انطلاق الألعاب الأولمبية الأخيرة. إذن هذه هي الخطة المتكاملة التي نفذتها بكين ونجحت من خلالها في القضاء على ظاهرة السحابة السوداء.. فهل نستفيد منها؟!