كان العام 2007 / 2008 عاما شديد الصعوبة على سكان العالم خصوصا سكان الدول النامية والفقيرة في ما يتعلق بأسعار الغذاء التي ارتفعت عالميا بشكل جنوني بسبب ارتفاع أسعار منتجات الطاقة والأسمدة، وزيادة حجم الطلب على الوقود الحيوي، وموجات الجفاف التي ضربت أستراليا وبلدانا أخرى. فخلال العام 2008 زادت أسعار الغذاء بنحو 50 في المائة في الشهور الستة الأخيرة، ونحو 125 في المائة خلال السنة بكاملها، وانخفض الاحتياطي الغذائي العالمي إلى أدنى مستوياته على مدى 30 عاما. ومع حدوث الأزمة المالية العالمية في النصف الثاني من العام الماضي بدأت أسعار الغذاء في الانخفاض نسبيا مع بداية 2009 عن السنوات السابقة، ولكنها ظلت مرتفعة مقارنة بالعامين 2005 و2006، حيث هبطت أسعار المواد الغذائية في الأسواق الدولية بمعدلات ملموسة على مدى الأشهر الماضية، إلا أن أسعار الأغذية انخفضت بوتيرة أبطأ من ذلك في الكثير من البلدان النامية. وفي الواقع، ظلت هذه الأسعار بالمعدل الفعلي السائد أعلى بنسبة 24 في المائة مما كانت عليه مقارنة بمستوياتها خلال 2006، وتفوق ما كانت عليه العام 2005 بنسبة 33 في المائة. ومعنى هذا ببساطة حسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) استمرار أزمة الغذاء العالمي خلال العامين المقبلين، وهذا ماحدا بالمنظمة إلى الدعوة إلى قمة عالمية لرؤساء الدول والحكومات حول الأمن الغذائي في العالم خلال الفترة بين 16 و18نوفمبر 2009 في العاصمة الإيطالية روما، وتوقيع إعلان بهذا الشأن، وتعتزم المنظمة إصدار تقريرها السنوي المحدث للعام 2009، المعنون «حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم» لإحصاء الجوع وعدد الجياع، بحلول شهر أكتوبر المقبل. من هنا يمكن القول إن الأزمة الغذائية في العالم مرشحة للزيادة خلال السنتين المقبلتين لأن أسعار الغذاء ما زالت مرتفعة في كثير من البلدان النامية وتفاقم الوضع سوءا بسبب الركود الاقتصادي العالمي الذي أضر بالصادرات والاستثمارات، ويحذر البنك الدولي من أن تأثيرات أزمة الغذاء والتباطؤ المالي ستلحق أضرارا فادحة بالفقراء وتزيد عدد الجوعى. رقم قياسي للجوعى وتدعو منظمة الفاو إلى وقف وتغيير الاتجاه الهبوطي الراهن للاستثمارات في الزراعة كي تعود إلى سابق مستواها البالغ 17 في المائة، في العام 1980، كنسبة من مجموع المساعدة الإنمائية الرسمية الدولية «ODA» وذلك بهدف اجتثاث الجوع الذي يمس ما يتجاوز مليار شخص في عالم اليوم ومضاعفة إنتاج الأغذية لسكان العالم الذين ستصل أعدادهم إلى تسعة مليارات نسمة بحلول العام 2050. وتضيف منظمة الفاو أنه من المنتظر أن يرسي عدد الجياع في العالم سابقة تاريخية في غضون العام الجاري بتسجيل رقم قياسي جديد مقداره مليار وعشرون مليون نسمة، وتزيد المنظمة موضحة أن هذا المزيج الخطر من التباطؤ الاقتصادي العالمي، مقرونا بالارتفاع في أسعار المواد الغذائية لدى عدد من البلدان دفع بنحو 100مليون نسمة إضافية، مقارنة بأرقام العام الماضي للوقوع في براثن الفقر والجوع المزمنين. ويكاد يكون معظم الذين يعانون نقص الغذاء يعيشون في البلدان النامية. ففي آسيا ومنطقة المحيط الهادي، ثمة ما يقدر بنحو 642 مليون شخص يعانون الجوع المزمن؛ وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعيش 265 مليونا من الجياع؛ وفي أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي يوجد 53 مليونا من الجوعى؛ وفي الشرق الأدنى وشمال أفريقيا ثمة 42 مليونا من هؤلاء، بينما يقدر عدد الجياع لدى البلدان الصناعية في مجموعهم بنحو 15 مليون نسمة. ويضاف إلى ذلك أن بعض البلدان النامية أيضا تعاني من ظاهرة الانخفاض الملموس هذه السنة في حجم التحويلات النقدية (الحوالات المالية) المرسلة من المهاجرين إلى أوطانهم الأصلية، مما استتبع هبوطا في موارد النقد الأجنبي ومستويات الدخل الأسري. وإذا ما اقترن ذلك بالتخفيض المتوقع في مخصصات المساعدة الإنمائية الرسمية فلا غرار أن قابلية البلدان وقدراتها سوف تتناقص في تدبير رؤوس الأموال التي يتطلبها مواصلة الإنتاج، وتوفير شبكات الأمان الاقتصادي والضمان الاجتماعي لحماية الفئات السكانية الأشد فقرا. الأخطار تتفاقم وحسب تقرير مشترك بين منظمة الفاو ومنظمة التعاون الاقتصادي صدر أخيرا يتضح أن الأخطار يمكن أن تتفاقم مع زيادة الكساد الاقتصادي عمقا، ويقول التقرير الذي يحمل عنوان «الآفاق الزراعية 2009 2018»، أن «الانخفاض في الأسعار الزراعية وهبوط إنتاج واستهلاك السلع الزراعية من المرجح أن تظل معتدلة ما دام من المفترض أن يبدأ الانتعاش الاقتصادي خلال سنتين أو ثلاث». ورغم انخفاض أسعار المواد الغذائية من مستوياتها القياسية في وقت مبكر من العام 2009 ظلت مرتفعة لدى الكثير من البلدان الفقيرة. وفي غضون العقد المقبل من غير المحتمل أن تعود أسعار السلع الزراعية ما عدا لحوم الأبقار حتى بعد احتساب معادل التضخم إلى متوسط مستوياتها خلال الفترة لما قبل أوج الارتفاع الذي شهدته خلال 2007 2008. وتطرح التقديرات معدلا لأسعار المحاصيل يتوقع أن يكون أعلى بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المائة (بعد احتساب عامل التضخم)، للسنوات العشر المقبلة مقارنة بالمتوسط السائد خلال الفترة 1997 2006. أما أسعار الزيوت النباتية فلسوف ترتفع بأكثر من 30 في المائة. كما يحذر التقرير المشترك بين «الفاو» ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضا من أن تقلبا حادا في الأسعار على نحو مشابه للزيادات التي سجلت العام 2008، ليس حدث مستبعد كليا في غضون السنوات المقبلة لا سيما أن الأسعار السلعية أضحت مرتبطة على نحو متزايد بتكاليف الطاقة والنفط. في الوقت ذاته، لا يستبعد الخبراء البيئيون تأثيرات سلبية للأحوال المناخية. ويفيد تقرير لمنظمة «الفاو» صدر في هذا الشهر بأنه «مع بداية الموسم التسويقي 2009 2010، تسقط التوقعات صورة إيجابية متواصلة بإنتاج عالمي من الحبوب يتوقّع أن يرسي ثاني أعلى رقم قياسي بعد إنتاج السنة الماضية؛ إذ يقدر الإنتاج العالمي بنحو 2219 مليون طن مقارنة بكمية 2287 مليون طن للعام الإنتاجي 2008 2009. وبالمقارنة فقد أسقطت تقديرات المنظمة الأولية للفترة 2009 2010 نموا أقل نسبيا، بنحو 1.3 في المائة مقارنة بمستوى 2008 2009 الذي قدر بنحو 2230 مليون طن... أي بفارق مقداره أربعة في المائة كمعدل نمو للموسم السابق. تداعيات الأمن الغذائي العربي لا شك أن كل الدول العربية أصبحت في مجموعها أكثر مناطق العالم عجزا في الغذاء، رغم أنها تمتلك كل المقومات التي تمكنها من عكس هذه الصورة السلبية في موازين تجارتها الزراعية. حيث انفقت الدول العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة من القرن الماضي نحو مايقرب68,5 مليار دولار لتدبير احتياجاتها الغذائية من السوق العالمية. وصلت الفجوة الغذائية في العالم العربي هذا العام إلى مابين 21 و 25 مليار دولار، وذلك حسب تصريحات الدكتور أحمد جويلي أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية. وتشير التقديرات إلى أن العالم العربي لايستغل سوى 27,8 في المائة من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة والمتاحة له رغم أن أكثر من نصف القوى العاملة في العالم العربي تعمل في الزراعة، حيث تمثل هذه النسبة 50,6 في المائة مع تفاوت النسب من بلد لآخر. ومصر مثلا لا تزرع سوى 55,5% من المساحة الصالحة للزراعة. وأسفر هذا التدهور في القدرات الاقتصادية العربية عن تزايد اعتماد الاقتصاديات العربية على العالم الخارجي حتى في مجال إشباع الحاجات الضرورية للإنسان العربي من الغذاء. ومعظم الدول العربية تستورد إجمالا نحو 40 في المائة من غذائها، والأرقام الخاصة بنسب الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية في العالم العربي خطيرة للغاية، فمعدلات الاكتفاء الذاتي في العالم العربي لمجموعة الحبوب (56.1 في المائة) البقوليات (58.5 في المائة)، السكر (36.3 في المائة) ومجموعة الزيوت النباتية (25.2 في المائة) واللحوم الحمراء(84.5 في المائة) ولحوم الدواجن (70 المائة) والألبان (70.8 في المائة)، الفاكهة (69.1 في المائة) والبطاطس (101.5 في المائة والخضراوات 100.2في المائة) جهود متواصلة والحقيقة أن المنظمة العربية للتنمية الزراعية تبذل جهودا متواصلة على امتداد أكثر من ربع قرن من أجل موقف عربي موحد لمواجهة أزمة الغذاء العربي، وكلفت فريق عمل يضم علماء وخبراء الزراعة برئاسة العالم الدولي الدكتور أحمد جويلي بإعداد استراتيجية عربية لتحقيق الأمن الغذائي العربي. وقدم الفريق استراتيجية تضم 112مشروعا تتضمن التكلفة المالية لتنفيذها، وللأسف الشديد لم يجد هذا العمل القومي العلمي المهم طريقه إلى التنفيذ. ويؤكد الدكتور محمود أبو زيد وزير الموارد المائية والري السابق ورئيس المجلس العربي للمياه، أن الأمن الغذائي أصبح من أهم التحديات التي يواجهها العالم العربي في القرن الحالي في ظل ندرة مائية في بعض الدول وأطماع دول أخرى في مجاريه المائية أدت إلى استيراد بعض هذه الدول 90 في المائة من احتياجاتها الغذائية ما يجعلها رهينة لسياسات واتجاهات الدول الأجنبية المصدرة والتي تمثل من سبع إلى ثماني دول على رأسها الولاياتالمتحدة وكندا وإستراليا وغيرها من الدول الأوروبية. الزراعة والغذاء ارتفعت أسعار السلع الغذائية في المملكة مثلها مثل بقية دول العالم العام 2008، مع العلم أن أسعار الغذاء تشكل الجزء الأكبر من سلة التضخم في المملكة، وتعادل 26 في المائة من إجمالي مؤشر غلاء المعيشة. ونتيجة لذلك اتخذت الحكومة العام 2008 إجراءات لوقف زيادات الأسعار غير المبررة من جانب التجار وتعزيز الدعم وسط تضخم مرتفع. ومن بين حزمة الإجراءات الحكومية التي اتخذت زيادة معدل إعانات بعض السلع الرئيسية، وتخفيض رسوم الموانئ وبعض الخدمات، وزيادة المخزون من السلع، فضلا عن إجراءات مالية أخرى مثل رفع الاحتياطيات الإلزامية للبنوك وتقييد الإقراض لتقليل التضخم. وقالت مؤسسة النقد السعودي في تقرير حول الضغوط التضخمية خلال الربع الأول من العام 2008 إن معدل التضخم في المملكة الذي بلغ أعلى مستوياته منذ أوائل الثمانينيات، ومنذ مايو الماضي تشهد معدلات التضخم في المملكة تراجعا متسارعا مع انخفاض أسعار السلع الأولية وتحسن الدولار الأمريكي ما ساعد على الحد من تكاليف الواردات بالنسبة إلى المملكة التي تربط عملتها بالدولار. ويبلغ إجمالي المساحات المزروعة بالمحاصيل المختلفة في عموم مناطق المملكة حوالي (1074958) هكتارا العام 2007 م، وتقدر مساحة محاصيل الحبوب في المملكة بحوالى (582071) هكتارا العام 2007 م، مما يمثل حوالى 54.1 في المائة من إجمالي المساحة المحصولية لكل المحاصيل في المملكة، ويقدر إجمالي إنتاج محاصيل الحبوب في المملكة بحوالي ( 2966953) طنا العام 2007 م، وقدمت المملكة وسائل دعم كثيرة لقطاع زراعة القمح في شتى مناطق المملكة، وكان لهذا دور كبير في تضاعف إنتاج القمح عدة أضعاف، بلغت حد الاكتفاء الذاتي، حيث منحت الدولة الأراضي الصالحة للزراعة للمشاريع والشركات الزراعية بالمجان، ومنحت المزارعين إعانات سخية بالنسبة إلى الآلات والمعدات ومضخات مياه الري والماكينات الزراعية، كما منحت المزارعين قروضا وتسهيلات ائتمانية بشروط ميسرة، وإعفاءات وتيسيرات جمركية، إضافة إلى شراء محصول القمح فضلا عن تقديم الاستشارات الزراعية لهم مجانا.