تُعد مكافحة الفساد من الركائز الأساسية لتحقيق استقرار المملكة ونموها على مختلف الأصعدة، وهو ما يُترجم بشكل عملي عبر الدور المحوري الذي تلعبه هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة). فهذه الهيئة تمثل جبهة متقدمة في تعزيز الشفافية ومواجهة الفساد بجميع أشكاله، مستندة إلى رؤية واضحة وجادة في بناء بنية أساسية صارمة لمكافحة الفساد، وهو ما أكده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته الشهيرة: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، سواءً كان أميراً أو وزيراً أو أياً كان.. كل من تتوفر عليه الأدلة الكافية سيُحاسَب». إن «نزاهة» ليست مجرد جهة تنفيذية تلاحق المخالفات؛ بل هي جزء لا يتجزأ من منظومة الإصلاح في المملكة. من خلال تطبيق آليات قانونية صارمة وتعزيز الشفافية، تُثبت «نزاهة» أنها مستمرة في السعي وراء تحقيق العدالة، لا فرق في ذلك بين من هم على رأس العمل أو من تركوه. هذا النهج الشامل يعكس بوضوح أن العدالة في المملكة لا تتأثر بالمنصب أو الوقت، بل تُطبَّق على الجميع دون استثناء. وتأتي الإعلانات العلنية عن المتورطين في قضايا الفساد كدليل على هذا التوجه الصارم. على سبيل المثال، شهدت الأشهر الأخيرة الإعلان عن قضايا فساد كبيرة، تضمنت استعادة أموال ومحاسبة مسؤولين سابقين وحاليين. هذه الإجراءات لم تُرسل رسالة إلى الداخل فقط، بل كانت بمثابة رسالة قوية إلى الخارج بأن المملكة جادة في مواجهة الفساد بكل حزم. إنها رسالة ثقة للمستثمرين، تعزز جاذبية المملكة كبيئة اقتصادية مستقرة وموثوقة. ما يميز جهود «نزاهة» أيضًا هو شمولية النهج، فهي لا تقتصر على كشف الفساد ومعاقبة الفاسدين فقط، بل تتجاوز ذلك إلى نشر ثقافة النزاهة في المجتمع. تعمل الهيئة جنبًا إلى جنب مع المؤسسات التعليمية والإعلامية لتعزيز الوعي بأهمية الشفافية والمسؤولية المجتمعية، وخلق جيل يدرك مخاطر الفساد ويرفضه. هذا الجانب التوعوي يضفي عمقًا على دور الهيئة، ويؤكد أنها ليست مجرد هيئة رقابية، بل مكون أساسي في بناء وعي وطني جامع. ولا يمكن تجاهل التحديات التي تواجه الهيئة، بدءًا من محاولات التهرب من المساءلة، وصولًا إلى تعقيدات تتبع المال العام. من بين هذه التحديات، صعوبة الوصول إلى بعض الأصول التي تم تهريبها خارج المملكة، ومحاولات بعض المتورطين استخدام وسائل معقدة لإخفاء أثر الأموال أو تحويلها بطرق غير قانونية. لكن الهيئة، بفضل الدعم المباشر من القيادة الرشيدة، وبالتعاون المستمر مع الجهات الأمنية والقضائية، والاستفادة من التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة، أظهرت قدرة عالية على ملاحقة المتورطين ومواجهتهم بفعالية. وقد كان لتعاون المملكة مع الدول الصديقة في استعادة الأموال المهربة دور كبير في تحقيق إنجازات ملموسة في هذا المجال. وهذه الجدية في تطبيق القانون هي ما يؤكد على المصداقية والالتزام اللذين تحرص المملكة على تحقيقهما. دور الهيئة يتجاوز المعالجات اللحظية إلى بناء هيكل مؤسسي يدعم التنمية المستدامة. الوقاية من الفساد وتعزيز كفاءة الأداء الحكومي يساهمان في تحسين الخدمات العامة ويؤسسان لبيئة عمل أكثر شفافية وفعالية. على سبيل المثال، ساعدت الإجراءات الوقائية التي اعتمدتها «نزاهة» في تحسين أساليب المراقبة الداخلية في المؤسسات الحكومية، مما أدى إلى تقليل الهدر المالي وتعزيز ثقة المواطنين في هذه المؤسسات. هذا ليس رفاهية، بل ضرورة لبناء نظام إداري متين قادر على مواجهة تحديات المستقبل. في نهاية المطاف، تأتي جهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد كركيزة أساسية في مسار التنمية بالمملكة، مسهمة بفعالية في تحقيق الاستقرار والنمو. إن تعزيز الشفافية، وتطبيق القانون دون استثناء، سواء على من هم في السلطة أو بعد مغادرتهم لها، يشكلان الأساس لضمان بيئة مستقرة تدعم تطلعات المواطنين، وترفع من قدرة المملكة على مواجهة التحديات وبناء مستقبل مشرق للجميع. ومع استمرار هذه الجهود، تبقى «نزاهة» منارة للعدالة ومثالاً يُحتذى به في محاربة الفساد، لبناء وطن يزدهر فيه العدل والشفافية وتتحقق فيه طموحات الجميع.