زوجة أحمد القاضي إلى رحمة الله    الجدعان في «حوار برلين»: التنمية المستدامة تتحقق بالتخطيط طويل المدى    إلزام كل تاجر بتعيين اسم تجاري.. و50 ألفاً غرامة المخالفين    رئيس وزراء اليمن: شكر عميق للسعودية لمساعداتها الإنسانية والإغاثية والخيرية    الاتحاد في اختبار الأخدود.. والاتفاق يواجه الرائد    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    «الصحفيين» تُعدّل نظام عضويتها.. تستمر لعام كامل من تاريخ الحصول عليها    الموسيقى ماذا تفعل بصحتك وسمعك ؟    مجلس التعاون يدعم لبنان ويدعو لوقف إطلاق النار في غزة    برعاية الملك.. انطلاق المنتدى الدولي للأمن السيبراني    وزير الخارجية يبحث مع الرئيس الإيراني مستجدات أوضاع المنطقة والعالم    اشترِ الآن وادفع لاحقاً !    نحو تمكين ذوي الإعاقة !    معدلات الخصوبة بين المدن الصناعية والزراعية    أميرٌ شاب    حفلات التخرج: استلاب وانطماس هوية !    هل بدأ اليوم التالي في المنطقة؟    الاتحاد يلعن غياب "كانتي" عن مواجهة الأخدود للإصابة    يونايتد وتن هاغ للخروج من النفق المظلم أمام بورتو    دوري أبطال آسيا للنخبة .. التعاون يتعثّر أمام القوة الجوية العراقية بهدفين    «الصحة اللبنانية» : 46 قتيلاً حصيلة الغارات الإسرائيلية على لبنان الأربعاء    أعيرف.. ذكريات تاريخية في قلب حائل    اتفاقية شراكة بين كرة المناورة واتحاد الجامعات    القهوة تقي من أمراض القلب والسكري    جراحة السمنة تحسن الخصوبة لدى النساء    بعدما أصبح هداف الهلال آسيويا.. الدوسري يقترب من صدارة هدافي القارة الصفراء    صلاح يقود ليفربول للفوز على بولونيا بثنائية في دوري أبطال أوروبا    النظرية الموقفية مفتاح الإدارة الحديثة    وطن خارج الوطن    مبادرة «قهوة مع الأمين» حرية.. شفافية.. إنجاز    "مهوب حلال أبوك"!    المطوف جميل جلال في ذمة الله    رواد الكشافة باالطائف يطمئنون على الرائد عطية    عمر يدخل القفص الذهبي في مكة المكرمة    هل بدأ حريق سوق جدة الدولي من «محل أحذية»؟    «مايكروسوفت» تتصدى لهلوسة الذكاء الاصطناعي    البنك المركزي السعودي يصدر مبادئ "الالتزام"    "منشآت" تنظّم ملتقى "بيبان24″ .. نوفمبر المقبل    وداعاً يا أم فهد / وأعني بها زوجتي الغالية    يوميات معرض    الرياض "تقرأ"!    جادة القهوة    العلا.. حماية التراث الطبيعي والإنساني    تثمين المواقع    لماذا لا تبكي؟    المفتي العام يستقبل مفوّض الإفتاء بجازان    الفرج ينقل تعازي وزير الداخلية لذوي شهيد الواجب السبيعي    مملكة العز والإباء في عامها الرابع والتسعين    الابتكار والاستثمار السياحي في الأحساء.. هل يأتي بحجمه أو بتأثيره؟    شركة أمريكية تدعم أبحاث طبيب سعودي    نملة تأكل صغارها لحماية نفسها من المرض    إسرائيل وإيران يدخلان خط التصعيد رغم المخاوف    العيسى في معرض «كتاب الرياض»: وثيقة مكة ترسي حقيقة الإسلام    والد الشهيد أكرم الجهني ل«عكاظ»: نبذل الغالي والنفيس فداء للوطن    الحياة الزوجية.. بناء أسرة وجودة وحياة    أمير مكة المكرمة ونائبه يعزيان أسرتي الشهيدين في حريق سوق جدة    أمير الشرقية يثمن دعم القيادة للقطاع الصحي    المملكة.. الثبات على المبدأ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفلات التخرج: استلاب وانطماس هوية !
نشر في عكاظ يوم 03 - 10 - 2024

مع العودة الحميدة للدراسة لا بد من تعليم النشء الكثير من المفاهيم التي تبني الفكر وتنير الذهن لمواكبة التحولات التي نعيشها بعيداً عن السطحية والضآلة، وضرورة إدخال الكثير من المهارات الفكرية والتقنية والاعتزاز بالهوية، وضرورة تغيير الكثير من العادات والأفكار التي لا تناسب وما نحن فيه من أحداث جعلتنا رقماً مهماً في هذا العالم ملاحظة لا بد من الوقوف عندها حدثت العام الفارط لنستفيد منها مستقبلاً.
إنّ حاجتنا إلى تعلّم اللغات الأجنبية، أمر في غاية الأهمية في زمن انفتاح البوابات، وتقارب المسافات، وتداخل المصالح، والآفاق البعيدة التي تستشرفها المملكة بفضل «الرؤية» الكريمة، فحاجتنا إلى الاستزادة من العلوم والتكنولوجيا والمعارف المختلفة، المسطورة بلغاتها الأم، يتطلّب معرفة هذه اللغات، في ظل قصور الترجمة، وعدم تغطيتها الشاملة لكل جديد.
ولكن ما لست أفهمه أن تلزمنا المعرفة بهذه اللغات أن نستدعي معها «سلوك» أصحابها، ونذهب في تقليد طريقتهم في العيش إلى ما يشبه انطماس الهوية بالكلية، ونُسقِط معها أصولنا العربية بالجملة، ونلبس لبوسًا «إفرنجيًا» حتى في احتفالنا بالنجاح وبعض المناسبات.
كان ذلك حقًّا ما شهدته، في تلك الليلة التي صحبت فيها حفيدتي الغالية، مريم جمجوم لحفل تخريجها من إحدى المدارس العالمية بجدة.
دلفت إلى مكان الحفل كان الأمهات والآباء يشاركون بناتهم فرحة التخرج والانتقال إلى مرحلة دراسية أكبر، ترتسم البسمة على الشفاة والفرحة ترفرف بين الحضور بكل تقدير واحترام للحظة.
كل شيء يعبر عن لوحة فنية جميلة متناسقة، قاعة فسيحة تراص عند مدخلها مرشدون بابتسامات وضيئة، ينثرون عبارات الترحيب بالحضور، وفي فضاء القاعة شاشة عرض كبيرة، على مسرح ضخم بُني على أسس عالمية راعت فيه أصول التقنية في الصوت والإضاءة والصورة، مع كشافات ليزر أعطت المكان هيبة وقيمة جمالية، ورسمت للحضور صورًا جميلة بالألوان، وخلفية موسيقية غربية.
انطلق الحفل بآيات من الذكر الحكيم من إحدى الطالبات، وكان ذلك إيذانًا بحفل «عربي» ولا ريب، ولكن الأمر استدار دورة فجائية، فيما تلا من فقرات جاءت بلغة إنجليزية، حرصت فيها المتحدثات على التزام قواعدها كأحرص ما يكون الالتزام، مع لُكنة تكاد تقارب لسان أصحابها، وهو عين ما حرصت عليه المكرمات والناجحات، وأعضاء هيئة التدريس وهن يعبرن بالإنجليزية المستوردة عن فرحهن «العربي» الأصيل. والأدهى من ذلك أن اللغة العربية حين حضرت كانت على استحياء في بعض الفقرات، لم تسلم قواعدها من تكسير، ولم تأمن من تحطيم، حتى من قبل المعلمات، فرفعن مجرورًا، ونصبن مكسورًا، وخفضن مرفوعًا، دون أن يطرف لهن جفن، أو يندى لهن جبين من خجل، وكان ذلك في أعلى لحظات فرحهن، وأبهى تجليات «الانسلاخ»، وكأنك في حفلة تنكر للأصول، وترسيخ متعمد ل«الاستلاب».
سرحت بعيدًا وتأملتهم، أغلب الحاضرين هم أبناء الوطن، أولياء أمور وأمهات، شاركن بناتهم هذه المناسبة والفرح بتخرجهن واستقبالهن لحياة جديدة، فما الذي حملهم على هذا الاستلاب غير المبرر، هل فعلًا صدقت نظريات اللسانيات المعاصرة التي ترى أن للغة وبنيتها وعلاقتها بالتفكير دورًا مهمًّا في سلوك الإنسان، على نحو ما ذهب إليه البروفيسور ديريك بيكرتون الذي ناقش الموضوع في جامعة واشنطن في محاضراته الثلاث الشهيرة عام 1992، وجمعها في كتاب لاحقًا تحت عنوان «اللغة وسلوك الإنسان»، وخلاصة زعمه «أن عملية التفكير والذكاء لم تكن لتتحقق دون امتلاك الإنسان للّغة بشكلها الإنساني».
فإذا كان الأمر كذلك، فكان أولى بقومنا هؤلاء أن تكون «العربية» حاضرة في سلوكهم ولو في مظهر الاحتفال فقط!
هل خرجت «العربية» اليوم من سباق التطور العلمي، واللهاث التقني، لتبقى مسجونة في قمقم الزعم بأنها لغة آداب وفنون وليست لغة علم واختراع،
هل نلقي باللوم على هؤلاء الشباب والشابات وقد وجدوا في الإنجليزية وغيرها طرقًا للتعبير المعاصر قصرت عنها «العربية»، التي ما زالت طرق تدريسها غير مناسبة لروح العصر، ولمواكبة متطلباته؟!
أسئلة كثيرة كانت تدور في رأسي، والحفل مستمر في بهجته المستلبة، تلبية لرغبة «قلة» من الأجانب كانوا حاضرين، فهل كان إرضاؤهم خصمًا على الثوابت، وهم الذين لا يقيمون لذلك وزنًا.
حضرت حفلات تخرّج مثيلة لأبنائنا خارج المملكة، ولم نحظَ بطقس عربي، ولو على سبيل المجاملة!
أفقت من شرودي على صوت أنثوي بتنغيم «إنجليزي» منضبط، ينادي على حفيدتي مريم لتكريمها بوصفها إحدى الناجحات المتفوقات.
لم أشأ لحظتها أن أعكّر عليها صفو اللحظة، وبهجة النجاح، وإن كنت في سري خاطبت المعلمات، بنصيحة سيدنا عمر «تعلّموا العربية فإنها تُثبّت العقلَ، وتزيدُ في المروءة».
يمتد عتبي إلى المسؤولين عن تربية النشء سواءً في البيت أو المدرسة عن الإسراف المبالغ فيه حد السفه في إقامة حفلات التخرج.
فبعد ليلة الفرح في رحاب المدرسة أقيم حفل في إحدى القاعات الكبرى تعدت أرقامه مبلغًا فلكيًا جُمع من الطالبات اللائى أرغمن أولياء أمورهن على دفع حصصهن ومشاركتهن، مضافاً إليه الفساتين الغالية من المطرزات والشيفونات الفرنسية والحرير الطبيعى غير المدفوع للكوافيرة وعاملة المكياج لوضع الرتوش الأخيرة من كل ألوان الطيف على الطالبات وأمهاتهن والحضور، ومطربة أفراح وليالٍ ملاح وبوفيه يكفي لإطعام قرية جائعة.
كان من الأجدر أن يُرصَد مثل هذا المبلغ لعمل خيري يبقى أثرة ويكتب أجره باسم الخريجين بدلاً من هذا الإسراف المبالغ فيه بموافقة مسؤولي المدرسة وأولياء الأمور.
بدعة انتشرت في المجتمع حفلة نهاية العام الدراسي حتى للمراحل المتوسطة والابتدائية، حتى فقد روب التخرج وقبعته القيمة المعنوية لهما.
رحم الله زمان مضى كانت مكافأة النجاح قلم باركر أو محفظة جيب ورحلة مع الأهل إلى المدينة المنورة أو الطائف نقطف توت ونأكل برشومي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.