ما يميز السياسة الخارجية السعودية في مرحلتها الجديدة أنها منفتحة على كل الاتجاهات والمسارات التي تحقق مصالحها الوطنية، مع الحرص على حفظ التوازنات ومراعاة المسافات وفهم المساحات التي تتحرك فيها، وتوظيف ممكناتها ومميزاتها بشكل ذكي وعقلاني وعملي، يضيف لها دون التأثير على علاقاتها الاستراتيجية القديمة التي أعادت تعريف أسسها وقواعدها وشروط استمراريتها. القلق من منافسة الصين الذي تحاول تضخيمه بعض المؤسسات السياسية والإعلامية الغربية لأسبابها الخاصة ومصالحها الذاتية لا يعني أن يكون عدوى إجبارية لبقية دول العالم التي لكل منها معاييرها ومفاهيمها في العلاقات الدولية، ولها مصالحها الخاصة أيضاً. الصين أصبحت حقيقة كبرى في العالم اقتصادياً وسياسياً، وعندما وجدت المملكة أن مصالحها تقتضي توثيق العلاقات معها فعلت ذلك وفق اتفاقيات وبرامج تعاون وشراكات في مجالات متعددة، أثبتت جدواها ومنافعها على الطرفين بشكل كبير، لذلك حظيت زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني للمملكة خلال الأسبوع الماضي باهتمام كبير وتغطية إعلامية واسعة، نظراً لما وصل إليه مستوى العلاقات، وما تحقق خلالها إلى الآن، بعد أن أصبحت المملكة الشريك التجاري الأول للصين في منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للمملكة. وقد تم خلال الزيارة عقد اجتماع أعمال الدورة الرابعة للجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى، برئاسة سمو ولي العهد ورئيس مجلس الدولة الصيني، والذي بُحثت خلاله سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في «جميع المجالات بما فيها السياسية، والأمنية، والعسكرية، والطاقة، والتجارة والاستثمار، والمالية، والعلمية، والتقنية، والثقافية، والسياحية». السياسة الواقعية تقول إن للمملكة مصالح في الشرق مثلما لها مصالح في الغرب، وليس بالضرورة أن تتعارض مع بعضها لأنها مؤطرة ببروتوكولات واتفاقيات واضحة الآليات والأهداف، وما لم تحصل عليه المملكة هنا ستحصل عليه هناك، لأنها أصبحت شريكاً عالمياً موثوقاً يتسم بالجدية والمصداقية، يسعى الجميع إلى التعاون معه.