يعتبر الجيل المولود في الخمسينيات من المحظوظين بإبصار النور فيما يعرفه البعض الآن بأنه فترة «التطورات المدهشة»، (Stunning Era) أو: مرحلة التطورات والتغيرات الحضارية المذهلة، التي بدأ يشهدها العالم، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، سنة 1945م، التي ما زالت متواصلة، وكان -وما زال- لها تأثيرات، حضارية، محلية وإقليمية وعالمية، كبرى ومفصلية، في كافة مجالات الحياة، وخاصة في مجالي العلم والتقنية. إن فترة «التطورات المدهشة» تشهد نهضة علمية وتقنية نوعية كبرى، غير مسبوقة في التاريخ الإنساني. في هذه الفترة، شهد العالم أجمع أسرع وأعظم القفزات الحضارية.. تطورات مذهلة، متسارعة، ومتواصلة، ومتلاحقة، لم يعرف لها مثيلاً من قبل، من حيث تواصلها وسرعتها، ونوعيتها التي غيرت (بالفعل) مجرى الحياة جذرياً، مضموناً وشكلاً، وجعلت نوعية الحياة مختلفة عن بقية العصور التي سبقتها. ومكّنت الإنسان من تطويع بيئته، والاستفادة منها، بشكل متصاعد. يكفي أن نذكر التقدم الهائل في بعض المجالات؛ ففي مجالي الاتصالات والمواصلات، والطاقة، مثلاً، أحدث ما يشبه المعجزات في آليات التواصل فيما بين البشر. ومن ذلك: تبلور النقل الجوي، واكتشاف الطاقة النووية، واستغلالها للحرب والسلم، وبقية الاختراعات غير المسبوقة، التي شكلت واقعاً مفصلياً جديداً ومشرقاً في تاريخ البشرية... بدءا من التلفزيون، مروراً بالهاتف النقال، حتى الإنترنت، وصولاً إلى علم وتقنية «الذكاء الصناعي».. إنها بالفعل فترة التطورات الهائلة المدهشة، وغير المسبوقة في كل التاريخ الإنساني. **** إن كثيراً من مواليد الخمسينيات، الذين نشأوا في مدن ومناطق كانت تعتبر من أكثر مناطق العالم تحضراً، ما زالوا أحياء يرزقون، (بفضل من الله، ثم بفضل الرعاية الصحية المتطورة) ويعيشون العصر (القرن الواحد والعشرين) وهم بصحة جيدة. وهؤلاء رأوا، أو عايشوا الكثير من مظاهر العصور والفترات السابقة (القديمة): الفانوس، والإتريك، وموقد الفحم، وقوالب الثلج، و«زفة» الماء التي يحملها السقا إلى البيوت، وطبيب الأعشاب، والراديو الذي يعمل ببطارية تشحن مرة كل أسبوع، والمواصلات بالدواب، والمنازل التي تبنى بالحجارة فقط...الخ. ثم، وقبل أن يبلغ أغلبهم الحلم، دخلوا العصر بفترة «التغيرات المدهشة»، التي بادرهم بها، وبقوة... فأصبح هناك كهرباء، وماء يجري بالبيوت، وسيارات وقطارات وشوارع، ومدارس ومستشفيات متطورة، ومعدات وأجهزة كهربائية منزلية لم تعهد من قبل. ولم يحصل ذلك وحسب، بل إن كل شيء أخذ يتقدم ويتطور، و«يتحسن» يوماً بعد يوم. فسيارة اليوم -مثلاً- أفضل وأجمل وأمتن وأرقى من سيارة الأمس، ومكيف الهواء اليوم كذلك.. وهكذا. إنه عالم يتغير على مدار الساعة.. ولكن معظم تغيره (في فترة «التطورات المدهشة» ) كان -وما زال في معظمه- مذهلاً حقاً، وسريعاً فعلاً، ومثيراً للإعجاب، ويطال النوعية.. محسناً لها، وبشكل متقن غير مسبوق في تاريخ البشر، وسجل الكرة الأرضية. **** وفى خضم هذه التغيرات المادية، حصل تغير مماثل في أغلب «القيم» الإنسانية، سواء في المجتمع العربي، أو غيره. وهذا انعكس على سلوكيات الناس، وخاصة في المناسبات والأعياد المعتادة، إضافة لانعكاسه على العادات والتقاليد المختلفة لشعوب الأرض كافة. وإن عملنا «مقارنة» سريعة -من وجهة النظر العامة- بين الماضي والحاضر، نقول بمنتهى الإيجاز: الأجمل هو أن نعيش الحاضر، ونحاول تطويره أكثر، فأكثر... فالتطور هو سنة الحياة، والتغير هو ديدنها. يجب التطلع دائماً لمستقبل أفضل للذات وللأمة. ليس من الحكمة العيش في الماضي وبالماضي، كما كان في معظمه. لم تكن هناك أشياء كثيرة للحياة المريحة الميسرة في الماضي.. ربما باستثناء بعض القيم السامية، كالتواصل الأسري والاجتماعي المكثف، والمحبة بين الناس، والإخلاص والصدق في القول والعمل لدى غالبية الناس. (وهناك نسبة كبيرة من الناس تمتدح الماضي، لأسباب ذاتية بحتة، أهمها أنهم كانوا في «صحة أجود»). وهذه القيم الجميلة يمكن تنميتها و«تفعيلها» في الحاضر.. ثم مواصلة التقدم، وننبذ الجمود والتخلف. فما أجمل التغيير الإيجابي نحو الأفضل، في الجانبين المادي والمعنوي/ القيمي. من الماضي يجب أن تؤخذ الحكمة والعبر. ثم يجب العمل الجاد، لكيلا يكون الحاضر سيئاً، ويجير سوءه للأجيال القادمة. وكثيراً ما رأينا أناساً يتمنون العودة لماضٍ كان سيئاً مادياً ومعنوياً. هذا التمني -لو حصل- يعني (بالضرورة) أن الحاضر أسوأ، غالباً إثر نكسة حضارية، وتراجع كارثي.. لا يقبله عاقل لنفسه، ولأمته. **** ويمكن القول إن قطاع التسلح، والحرب، شهد أكبر التحديثات، والتطوير، في هذه الفترة. من ذلك: استحداث أسلحة الدمار الشامل، التي يمكن، إن استعملت، أن تتسبب في تدمير و«فناء» البشرية، أو جزء كبير منها. وقد شهد القرن العشرون تطويراً خرافياً لهذه الأسلحة، التي استخدم منها قنبلتان صغيرتان فقط حتى الآن، في نهاية عام 1945م. وشهد هذا القرن أيضاً أسوأ وأخطر حربين تعرضت لهما الإنسانية، حتى الآن، هما: الحربان العالميتان الأولى والثانية. ومعروف، أن الاسلحة المعاصرة تقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة، هي: الأسلحة التقليدية، والأسلحة فوق التقليدية، وأسلحة الدمار الشامل. الأسلحة التقليدية هي الأسلحة العادية التي تعتمد على مادة «الديناميت» (TNT) في تفجيرها. والأسلحة فوق التقليدية، هي أسلحة تقليدية مطورة، لها قدرة تفجيرية وتدميرية أكبر. أما الأسلحة ذات الدمار الشامل، فهي التي تقتل آلاف الناس فوراً، وتدمر المنشآت. وتقسم، هي الأخرى، إلى ثلاثة أنواع، رئيسة، هي: السلاح البيولوجي، والسلاح الكيميائي، والسلاح النووي، وهو القائم فيما يحدثه من تفجير هائل على انشطار أو التحام الذرة، خاصة تلك المنبثقة عن معدني اليورانيوم، وأيضا البلوتونيوم. وهذا السلاح يقتل الأحياء (الإنسان، النبات، الحيوان)، ويدمر المنشآت تدميراً شاملاً، وهو أخطر الأسلحة، وأكثرها فتكاً بالأحياء والمنشآت. **** وتمتلك الدول العظمى والكبرى، آلاف الأطنان من هذه الأسلحة في ترساناتها العسكرية. وهي كميات ضخمة تكفي لتدمير كل العالم مرات ومرات... فعلى سبيل المثال فقط، فإن ما لدى هذه الدول من أسلحة بيولوجية يكفي لقتل كل سكان الأرض ثلاث مرات. وما لدى كل من روسيا وأمريكا (مثل آخر) من قنابل نووية تكفي لتدمير كل العالم ثماني مرات...؟! وهناك اتفاقيات دولية تمنع استخدام أسلحة الدمار الشامل بأنواعها، كما تمنع انتشارها... وأبرزها «اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية» (NPT). ولكن واقع العلاقات الدولية الراهن يؤكد عدم التزام الدول الكبرى بهذه الاتفاقيات، كما يجب، رغم أنها تفرض على الدول الأخرى الالتزام بها. وفي كل الأحوال، فإن هذه الأسلحة موجودة في مخازن هذه الدول، وقابلة للاستخدام. ومعروف، أن ميثاق الأممالمتحدة يحرم الحروب الهجومية، ويدعو لحل خلافات الدول بالطرق السلمية.