•• في الصبا حين كان التواصل عن بُعد عبر الورقة والقلم؛ كانت قراءة الرسائل للعجائز من كبارنا متعتنا الذهبية.. في ذلك الزمن الصعب في كل شيء؛ كنا نرى مشاعر من حنين في أعين من نقرأ لهم تلك الرسائل.. نقرأ لهم من ورقة تحمل عواطف ولوعة متدفقة من أقاربهم وأحبائهم خارج المدينة.. رسائل برائحة حبر زكية تلامس الأنف بكلمات تصيب قلب القمر. •• ذلك الزمن العابر الذي نستدعي منه ذكرياتنا القديمة؛ لا يقل جمالاً عن هذا الزمن بضرباته المتلاحقة بين حالات الفرح والخيبة.. التغيير في الزمنين سنة الحياة.. الزمن السابق كان التردد مقبرة الفرص.. أما الزمن الحالي؛ زمن السفر للمستقبل، فالذي لم يدفع ثمن تغيير حياته اليوم سيدفع غداً ثمن بقائه الطويل في مكانه.. فالابتعاد عن جحيم الوقت إلى متاهات المضيعة فقدان للبوصلة. •• في الحياة المعاصرة؛ من يفقد أُفُقه وبوصلته لن يعبر محيطه.. ومن لم يهيئ نفسه لنقلة غير طبيعية في حياته سيؤلم عقله وقلبه.. ومن ينقضِ به الزمان سريعاً سيسلك سُبُلاً متباينة متجمداً في مكانه.. ومن يظل حاضراً في دائرته لم يبرحها سيتسكع في الحياة على غير هدى.. هؤلاء الخاوية عقولهم وأرواحهم من التغيير والتطوير؛ رحلت عنهم الحياة في معاندة شرسة للعدم. •• أما أولئك الذين يجودون على أنفسهم بالتجديد، فسوف يمنحون ذواتهم تكريماً معنوياً حاراً.. وأولئك الذين يعيدون تركيب حياتهم في زمن أعمى، سينامون في المساء باطمئنان عندما يستدير القمر.. وأولئك الذين يتدلون كغصن متبختر تحت عريشة من الأنوار القادمة من السماء، سيغوصون في الراحة والدفء الباذخ.. وأولئك المتلألئون بوهج كأنه ذهب، سيكسرون الصخر ولن تتعطل حواسهم.. هؤلاء مثل ينبوع مُجلَّلٍ بالنجوم.