من مِنَّا لم يواجه موقفًا حاسمًا في عمله يتطلب منه اتخاذ قرار أخلاقي صعب؟ وقد يجد نفسه يتساءل عن المعايير التي تُحدد ما إذا كان هذا القرار مقبولًا في عمله أم لا. الإجابة على هذا التساؤل يكون في وجود «دليل السلوك الأخلاقي» في المنظمات، فما هو؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال، دعونا نستعرض مفهوم القرار الأخلاقي. فالقرار الأخلاقي هو قرار يحقق عنصرين؛ القيم والمبادئ الإنسانية ومتطلبات الواقع المعاصر. وليس من السهل دائمًا تحقيق هذين العنصرين في آنٍ واحد، إذ يتطلب الأمر إجراء تحليل موضوعي وشامل للقرار لمعرفة إيجابياته وسلبياته، بغرض تقليل الأضرار المحتملة قدر المستطاع وتلبية الاحتياجات المُلحة أقصى ما يُمكن. من خلال تأملنا لهذا التوضيح، نستنتج أن القرار الأخلاقي ليس كاملًا في الفوائد ولا خاليًا من العيوب، بل هو قرار يتم اختياره بناءً على أفضل ما هو أخلاقي، أي يُحقق أعلى قدر من المنفعة وأقل مستوى من الضرر. وهذا التوضيح يُسهل لنا تعريف «دليل السلوك الأخلاقي» للمنظمة (Code of Ethics أو Code of Conduct) الذي هو وثيقة تتضمن مجموعة قيم ومبادئ تتبناها المنظمة، وتوضح السلوك الإنساني والمهني المقبول وغير المقبول؛ لمساعدة وإرشاد المديرين والموظفين لاختيار القرار الأخلاقي الأنسب، ويقوم بضبط وتوحيد قراراتهم لأطول فترة زمنية ممكنة لتحقيق النزاهة والشفافية والعدالة على الجميع. كما أنه يُقدم إرشادات واضحة تُمكّن جميع المديرين والموظفين من التحرر من متاهة الحيرة والمناطق الرمادية التي يقعون فيها عند الجمع بين القيم الأخلاقية والواقع المعاصر، وهو ما يُسلط عليه الضوء عنوان هذا المقال. دعونا نستعرض مثالين واقعيين نواجههما في حياتنا العملية تجعل المديرين والموظفين يقعون في حيرة عند اتخاذهم للقرارات في ظل عدم وجود دليل السلوك الأخلاقي. فالمثال الأول، عندما يقوم موظف ما بنقل فكرة مشروع مُقتبسة من شخص آخر، وينسب الموظف لنفسه الفضل دون الإشارة إلى الشخص صاحب الفكرة الأصلي. مثالٌ آخر، عندما تقضي الأم العاملة ساعات في العمل ويؤثر ذلك على قضائها وقتًا مع زوجها وأولادها، مما يؤدي إلى حيرتها بين التركيز على الحياة المهنية والاهتمام بالحياة الشخصية. مثل هذه الحالتين وغيرهما الكثير، نجد أن دليل السلوك الأخلاقي يضع حلولًا وإرشادات لمعالجة تلك الحالات. تلخيصًا لما سبق، دليل السلوك الأخلاقي هو بوصلة توجّه المديرين والموظفين لاتخاذ قرارات سليمة في بيئة العمل، ويحقق التوازن بين قيم ومبادئ المنظمة ومتطلبات الواقع العملي، ويساهم في توحيد معايير اتخاذ القرارات في جميع الحالات خاصة حالات المناطق الرمادية وفي أي فترة زمنية، ويساعد على اتخاذ قرارات صائبة مبنية على العدالة والشفافية والمسؤولية. هذا الدليل يُحدد السلوك المهني والشخصي المقبول وغير المقبول، ويقلل من احتمالات السلوك غير الأخلاقي. أخيرًا، فلنجعل من دليل السلوك الأخلاقي منارة تضيء لنا طريقنا نحو قرارات سليمة ومستدامة، وأن كل معيار وإرشاد يتم وضعه في الدليل يُعتبر لبنة في بناء مستقبل المنظمة الأكثر نزاهةً وعدلاً لجيلنا وللأجيال القادمة، ويخلق الدليل بيئة عمل صحية، ويضمن راحة البال وطمأنينة الضمير للمديرين والموظفين.