ثمة أشخاص يتمسك بهم الوجدان بمعاني بقاء وعلى أعتاب صفحات الحياة.. وهناك أناس تبقى الأمكنة الوفيّة متشبثة بعطورهم وملامحهم وأرواحهم النقيّة.. وحين يكون الرحيل قاسياً على الأحياء؛ فإن الأيام تعكس لنا صور الراحلين إلى دار البقاء وهم في نعيم رباني خصْب نرتجيه لهم من الخالق سبحانه في «البرزخ» وفي الآخرة، كما كانوا في دنياهم. خالي الراحل «إبراهيم محمد صالح الخزامي» واحدٌ من هؤلاء.. ولأن طيوفه بقيت مرفرفة على المكان الوفيّ له؛ وصفته أمي ب«عميد الأسرة» ودموع عينيها الكحيلة معتصرة مدرارة.. وفي حديثي مع أخي «عادل» ونحن نسترجع ذكرياتنا عن «الخال الأب» قال أخي بإحساس يهزمه الألم ومشاعر يغطيها الحزن: «سقط أحد أركان العائلة». خالي الراحل ذو العينين اللتين اختزلتا ذاكرة الأيام وذكرى السنين، لم تفارقني شخصيته القوية المعجونة بالطيبة.. لم تفارقني حنيّته التي كان يغمر بها الكل.. لم تفارقني ابتسامته التي لم تغادر شفتيه حتى بعد موته.. وحتى عباراته الرقيقة التي كان يداعبني بها طفلة لم تفارقني. الحديث طويل عن ذلك الإنسان الأصيل الكريم العصامي الذي سبقت إنسانيته كل شيء.. فباختصار؛ الكل تنعم من إنسانيته.. إنسان سخَّره الله تعالى لفعل الخيرات فأمطر المعتاز والمحتاج بجودٍ فتحه سبحانه عليه.. سوف أستشهد بموقف متكرر له عندما كان مديراً لقسم الاشتراكات في شركة كهرباء مكةالمكرمة؛ كان يعطف على من لا يملك مبلغاً كاملاً لسداد «الفاتورة» فيدفع من جيبه الخاص بقية المبلغ المستحق. تلك الصورة من عطاء خالي الراحل التي خلَّدت ذكراه وأثره وقدوته الحسنة؛ جعلتنا جميعاً نشهد له بالخير والإحسان، فصدق فيه قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (الناس شهود الله في أرضه).. ربِّ إنه الآن بين يديك وفي ضيافتك وأنت أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين؛ فارزقه الفردوس الأعلى من الجنة، واجعله ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وفي نعيم مقيم لا يحول ولا يزول.