في الوقت الذي تشهد فيه المملكة تطورا كبيرا في مجال التقنية في مختلف المجالات، لاسيما مع ثورة التطبيقات، لا تزال المدارس والطفولة المبكرة ورياض الأطفال، تعمل بالطريقة التقليدية للنداء أثناء وقت الانصراف، النداء ب«الميكروفون» الذي يسبب ضجيجاً، فأصوات الحراس وأولياء الأمور والسائقين تشق الأحياء مسببةً إزعاجاً للجيران، فضلاً عن إزعاج المعلمات والطالبات في المدرسة. وبرغم أن وزارة التعليم، شهدت تطوراً في مختلف المجالات التقنية والمقررات والمناهج، وما حققته من نجاح خلال جائحة كورونا بتحويل الدراسة افتراضياً، إلا أنه من الأولى أن تشهد ثقافة الميكروفون تغييراً وتطوراً لآليات تقنية حديثة تواكب المرحلة وتغني عن تلك الوسيلة العتيقة. «عكاظ» ناقشت الملف مع عدد من التربويين والمختصين في مجال التقنية واستطلعت آراءهم ومقترحاتهم. إنهاء التلوث السمعي المشرف التربوي بتعليم المدينةالمنورة الدكتور فراس الحربي قال: لا شك أن ثقافة الميكروفون في مدارسنا قديمة عفا عليها الزمن، وكانت تستخدم حين كانت أعداد الطالبات قليلة والنداءات به شحيحة، واليوم المدارس تضم أعدادا كبيرة قد تتجاوز ال800 طالبة، ومع هذه الأعداد بعض الطالبات لا يخرجن بسرعة حتى أن استخدام الميكروفون يستمر لساعات ما يسبب إزعاجاً للداخل والخارج. ومع تطور وسائل التقنية، أقترح استخدام وسائل التقنية الحديثة كالبرامج الذكية في التواصل عبر شاشة عرض داخل المدرسة تعرض اسم الطالبة وجهاز مناداة يستخدمه ولي الأمر أو حارس المدرسة دون إحداث ضجيج، مشيراً إلى أنه من خلال تلك الوسيلة ستكون عملية خروج الطالبات أكثر سلاسة وتنتهي مشكلة إزعاج الجيران والتلوث السمعي حتى لدى منسوبي المدرسة والطالبات. استخدموا «توكلنا» ! رئيس مجموعة أمن المعلومات البحثية بجامعة الملك عبدالعزيز المتخصص في الأمن السيبراني الدكتور دانيال الغزاوي، يرى أن وزارة التعليم، نجحت خلال جائحة كورونا في التغلب على صعوبات التعلم عن بعد، وبعد زوال الجائحة عاد تحدي انصراف الطلاب من مدارسهم ليظهر بشكل ملحوظ، فعادت أصداء أبواق سيارات الآباء عند أبواب المدارس عند استلام أبنائهم، وازدادت التحديات أمام إدارة المرور بسبب الازدحام وزيادة حوادث السير، وبعد عقود من الرؤية الواضحة والسعي نحو التقدم، تبنت الحكومة حلولاً تقنية للتغلب على مثل هذه المشكلات التي تسبب هدر الوقت وإعاقة حركة السير وإحداث ضوضاء، ولم تغفل وزارة التعليم عن المشكلة وقدمت حلولاً تقنية عبر منصاتها، ولكن التزام المدارس بهذه الحلول كان متفاوتاً. ويرى الغزاوي، أن الحلول تتمثل في استخدام المنصات الإلكترونية والتي يمكن أن تسهم في تنظيم عملية خروج الطلاب لأوليائهم، إذ يمكن للمنصات إبلاغ الطالب فور اقتراب ولي أمره أو السائق من المدرسة ليخرج، كما يمكن أيضاً استخدام الحساسات التلقائية أو الكاميرات لتتبع المركبات المقتربة من المدرسة وإعلام الإدارة بذلك كمنصة «توكلنا» التي استُخدمت سابقًا لإنذار الأشخاص بوجود مصاب بكورونا بالقرب منهم، فيمكن الاستفادة من هذه المنصة لإبلاغ المدرسة بقرب وصول ولي أمر الطالب والطالبة. أساور على المعاصم لفت الغزاوي، إلى أن إعلام المدرسة بوجود أو قرب ولي الأمر جزء من الحل، ويبقى على المدرسة دور مهم في إبلاغ الطالب عبر شاشات إلكترونية، وسماعات داخل الفصول، أو باستخدام تقنية الأساور الإلكترونية التي تتتبع حركة الطالب داخل المدرسة، ويمكن لهذه التقنيات تقليل الحاجة إلى استخدام مكبرات الصوت وبالتالي تقليل الضوضاء. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار تحديات إيجاد مواقف كافية ومخصصة لسيارات أولياء الأمور وتنظيم هذه المواقف وإعطاء الأولوية لمن يستخدم نظام النداء الآلي، يمكن أن يسهم في تحسين الوضع بشكل كبير، ما يقلل من الازدحام ويحافظ على الهدوء في المناطق المحيطة بالمدارس وبذلك تكون التقنية قد ساهمت بشكل فعال في حل مشكلة الضوضاء وتحسين تجربة الطلاب وأولياء أمورهم. ساعة «نادني».. الحل الأستاذ المشارك بقسم نظم المعلومات بكلية الحاسبات بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة مرام عبدالرحمن مكاوي قالت: إن السعودية برؤية طموحة تهدف إلى التحول الرقمي الوطني الشامل في مختلف القطاعات والمجالات، ومع القفزات النوعية التقنية الهائلة تظل هناك بعض الإجراءات والخدمات في مجال التعليم بحاجة إلى تطوير، مثل الإجراءات المتبعة لاستلام الطلبة من مدارسهم. فلكل مدرسة حارس يستخدم الميكروفون بأعلى درجة صوتية وسط تكدس أولياء الأمور والسائقين أمام البوابات الضيقة لفترات تطول أو تقصر. وهذا الوضع لم يعد مناسباً مع انتشار التقنية، فظهرت جهود بحثية ومنتجات وطنية لحل هذه المشكلة، فهناك تقنية النداء من (Call Tech) والتي تقوم على تواصل بين تطبيق عند ولي الأمر لدى الاقتراب من المدرسة فيرسل رسالة للنظام المدرسي ويظهر اسم الطالب على الشاشة الداخلية مع تنبيه صوتي فيصل إشعار الخروج لولي الأمر الذي يقترب من البوابة لاستلامه، وهناك أيضاً ساعة ذكية تسمى «نادني» يتم التواصل من خلالها بين الطالب وولي الأمر أو السائق وقت الوصول للمدرسة، ويصل إلى الطالب تنبيه ويخرج. وهذه الجهود تصب في الاتجاه الصحيح، وهي مطبقة بالفعل في عدد محدود من المدارس الخاصة، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في المدارس الحكومية المكتظة. فمن أهم عوائق تطبيق آلية مثل ساعة نادني التكلفة العالية، إذ لا يقل سعر الواحدة منها عن 250 ريالاً، وهو مبلغ كبير لولي أمر لديه عدة أبناء، فلا بد من أن تعتمد ميزانية من وزارة التعليم للمشروع. وهناك احتمالية ضياع الساعات أو تلفها، فلا بد من وجود آلية واضحة للحفاظ عليها أو تعويضها، أو تصميم جهاز يصعب تلفه أو ضياعه، كأن يكون مثبتاً على الحقيبة المدرسية كشريحة ذكية مثل شرائح أبل (AirTag) التي تستخدم لتتبع الأمتعة. ولفتت الدكتورة مرام، أن التقنية باتت اليوم منتشرة إلى حد كبير، ويمكن بسهولة أن نجد حلولاً للكثير من مشكلاتنا الحياتية اليومية، إلا أن الصعوبة تكمن في الكلفة المادية، وبدرجة أكبر للعامل البشري، وبالتالي عند تصميم أي حل لا بد أن يكون متمركزاً حول المستخدم بشكل رئيسي، ويأخذ بالحسبان كل العوامل المحيطة في بيئة الاستخدام، وأن تتم تجربة عدد من الحلول وفق سيناريوهات مختلفة حتى يتم الوصول للحل الأكثر فعالية والأقل كلفة. صوت أبي في المدرسة مدير الإعلام التربوي بتعليم المدينةالمنورة خالد الحربي، بين أن إدارة التعليم، ممثلة بإدارة الأمن والسلامة، أطلقت تقنية النداء الآلي بالمدارس في 150 مدرسة كمرحلة أولى؛ حرصاً على أمن وسلامة الأبناء من الطلاب والطالبات، وتيسيراً على أولياء الأمور، واستثماراً للتقنية الرقمية في العمليات اليومية المدرسية، مشيراً إلى أن خدمة تقنية النداء ستساهم في إنهاء أزمة الزحام المروري أمام المدارس وإعادة الانسيابية للشوارع المقابلة للمنشآت التعليمية. وأضاف الحربي، أن تفعيل هذه الخدمة يكون عن طريق جهاز هاتف ولي الأمر ويمكنه ذلك من وصول صوته إلى داخل المدرسة واستدعاء ابنه وخروجه في وقت يسير، وعند استلام الابن ينقر على خانة تأكيد استلام، والخدمة لا تعمل إلا عند وصول الولي إلى محيط المدرسة حفاظاً على سلامة الأبناء. وأشار إلى أنه يعمل حالياً في المرحلة الأولى من المشروع، والمرحلة القادمة ستكون عبارة عن بطاقات ممغنطة أو إسوارة تكون في معصم الطالب بمجرد دخوله إلى المدرسة يصل إشعار لولي الأمر بدخوله وأيضا انصرافه.