مكّنت شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة المرئية منها، الناس من صناعة محتواهم الخاص، والتعليق على ما يريدون ومتابعة ما يرغبون، وفي ظل نمو تلك التطبيقات مع وجود الأجهزة الذكية المدعومة بالإنترنت، أصبح الناس يستخدمونها بفاعلية وفي كل الأوقات، بل وزاد هذا الأمر إلى تجاوز الحضور الشخصي إلى البحث عن الحضور الاجتماعي والحصول على أكثر عددٍ من المتابعين وصولاً لهوس الشهرة المزعومة، والتوثيق المنشود ثم إلى الترند، حتى لو كان ذلك على حساب خصوصية الشخص أو العائلة وصناعة محتوى (مشوّه) بعيداً كل البُعد عن القيم والمبادئ والأعراف، بل وزاد عن ذلك في كثير من الأحيان إلى تصدير (التفاهات). وما يبشر في التصدّي لهذه الظواهر السلبية هو ارتفاع وعي المجتمع ومستخدمي السوشيال ميديا تجاه ما يُطرح في منصات التواصل، وإدراكهم الفرق ما بين الغثِّ والسمين وما بين الحقيقة والدعاية، وللأسف أصبحت الأخيرة (الدعاية) هي المحرك الرئيسي لكل هذه الضوضاء الرقمية، بعد أن انتشرت ثورة المسابقات عبر هذه الشبكات في كل مكان خلال شهر رمضان، بل إن ما يُنشر من أرقام وإحصائيات وتداول في كثير من الأحيان لا يستند إلى حقائق وقد تكون (مزيفة) وغير صادرة من جهات معتمدة. نحن في مرحلة مهمة تحتاج فيها تلك الممارسات إلى التعاطي بحزم مع ما فرضته توجهات شبكات التواصل الاجتماعي وتجار المحتوى، ورفع الوعي من كل النواحي الاجتماعية والقانونية والقيمية، تحتاج المرحلة الحالية إلى ضبط مشدد من هيئة تنظيم الإعلام وسن لوائح وتشريعات تضبط ليس فقط لصناعة المحتوى وركائز استخداماته ومحاذيره والتراخيص الخاصة به، بل وحتى إلى أهمية وجود معايير واضحة تضبط هيمنة الشركات الدعائية وشركات التسويق الرقمي، على توجهات وقيم واستخدامات صناعة المحتوى الرقمي، ومحتوى شبكات التواصل، والعمل بالتعاون مع أقسام وكليات الإعلام إلى إصدار لائحة مستقلة لأخلاقيات وقيم استخدمات منصات التواصل بما يتماشى مع قيم المجتمع ويتوافق مع السياسة الإعلامية للمملكة.