يعيش مرضى الأمراض المزمنة، أوقاتاً صعبة في مواجهة المرض، هناك من يقضي أربع ساعات، بواقع ثلاث مرات في الأسبوع، تحت وطأة أجهزة غسيل الكلى، إلا أنهم يواجهون مصيرهم بالرضا والإيمان، ويرى استشاريون سعوديون (مختصون في الأمراض المزمنة) أن مرضى الأمراض المزمنة لديهم وعي صحي في التعايش مع المرض. وقفت «عكاظ»، ميدانياً على أوضاع بعض مرضى الفشل الكلوي في أحد مراكز الغسيل منهم (مالك) الذي قال: منذ 10 سنوات وبواقع ثلاث مرات أسبوعياً أقوم بغسيل الكلى، والحمد لله أنا متقبل وضعي الصحي نفسياً واجتماعياً، والأيام التي لا يكون لدي فيها غسيل أمارس حياتي بشكل اعتيادي. أما (عدنان)، الذي يخضع للغسيل منذ عام مرتين في الأسبوع، قال: لدي جلسات غسيل كلى مرتين وقد توقفت عن العمل منذ عام تقريباً، لكني أمارس حياتي بشكل طبيعي ولا استسلم للمرض، أخرج مع الأصدقاء وأمارس هواياتي. ويقول (محمد) المرافق لوالده في جلسات غسيل الكلى: يشعر والدي ببعض التعب بعد جلسة غسيل، لكن في اليوم التالي يمارس يومه بشكل طبيعي، فغسيل الكلى ليس مقتصرةً تداعياته على المريض نفسه، بل على الأسرة كلها، إذ نتقاسم وإخوتي الوقت للبقاء إلى جانب والدنا؛ لأن طبيعة عملي متغيرة في ساعات العمل، إلا أن المسؤولين يراعون هذا الجانب. ويقول أحمد الناشري: منذ عام أراجع أحد مراكز غسيل الكلى التي وفرتها وزارة الصحة للمرضى، ومن المؤكد الإحساس بالإرهاق بعد جلسة غسيل الكلى، وفي اليوم التالي أمارس حياتي بشكل طبيعي، وعلينا تقبُّل المرض بالإيمان والرضا. ماذا عن مرضى القلب؟ استشاري أمراض طب قلب الكبار الدكتورة حالية زين الشهري، ترى أن أمراض القلب مصطلح واسع يُستخدم لوصف مجموعة من الأمراض التي تؤثر في القلب، وتشمل أمراض القلب الوعائية، عدم انتظام ضربات القلب، العيوب الخلقية، اعتلال عضلة القلب وأمراض القلب الناجمة عن التهابات أغشية القلب، وفي الوقت نفسه فإن الرعاية اللازمة لمرضى القلب من الناحية الطبية والدعم النفسي والتثقيف الصحي تعدُّ من أهم العوامل التي تمكن المرضى من التعايش مع المرض، والتشجيع على تحسين أسلوب الحياة، وتحويله إلى أسلوب صحي يساعد على تحسين حالة بعض المرضى إلى جانب برامج التأهيل بعد الجلطات الحادة أو العمليات ببرامج معينة، إذ يعود المريض تدريجياً لحياته الطبيعية. 23000 مريض كلي المدير السابق للمركز السعودي لزراعة الكلى استشاري أول أمراض الباطنية والكلى، الدكتور فيصل شاهين يقول: إن مريض القصور الكلوي يعاني من مشكلات متعددة اجتماعية ونفسية وصحية، وجاء إنشاء المركز السعودي لزراعة الأعضاء والمختص بمعالجة مرضى القصور الكلوي وإمداد الدعم لما يحتاجه المرضى، واكتمل الدعم لإنشاء جمعية الأمير فهد بن سلمان لرعاية مرضى الكلى؛ ومن اختصاصاتها منح المرضى الرعاية الصحة والنفسية والاجتماعية، ما من شأنه تخفيف حدة المعاناة على المرضى وأسرهم، إذ إن مرضى الأمراض المزمنة لا يعانون فرادى بل تمتد المعاناة لأسرهم، فمريض غسيل الكلى يحتاج الوصول إلى مركز الغسيل والبقاء أربع ساعات بواقع ثلاث مرات أسبوعياً، وهذا كله يشكل جهداً نفسياً على المريض، خصوصاً إذا كان عائلاً للأسرة. ويضيف الدكتور شاهين؛ إن عدد مرضى غسيل الكلى وصل إلى ما يقارب 23 ألف مريض موزعون على مناطق المملكة ويحظون بدعم وامتيازات اجتماعية تسهم في التخفيف من حدة معاناتهم، مؤكداً أهمية وقوف المجتمع مع هؤلاء المرضى بدعمهم عن طريق اللجان الخيرية، خصوصاً المحتاجين لتمكينهم من استمرار الجلسات. السرعة عامل حاسم في الجلطات استشاري أمراض القلب والباطنة في مستشفى الملك فيصل بمكة الدكتور خالد آل علي، يقول: إن تعايش مرضى القلب يختلف عن الحالات الأخرى في طرق علاجها وحتى في الجانب النفسي، ويحتاج لوعي أكثر؛ لأن أمراض القلب تسبب القلق والاكتئاب، وبالتالي تزيد من سوء حالة المريض. وحول التعايش مع الحالات الأكثر خطورة كالجلطات القلبية الحادة، يوصي استشاري أمراض القلب آل علي، المرضى في حال الشعور بألم في الصدر التوجه لطوارئ المستشفى؛ لأن الوقت عامل مهم في علاج الجلطات القلبية. محذراً، في الوقت نفسه، من ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض القلب بين فئة الشباب بسبب نمط الحياة الخامل وانتشار التدخين والسمنة ومرض السكري؛ لذلك الحل السحري هو الرياضة وتخفيف الوزن وتجنب التدخين. مرض يقصر العمر! حول دور التمريض في تقديم الدعم الصحي لمرضى العلل المزمنة كغسيل الكلى، وكيف يتعايشون مع المرض أوضحت الأستاذ المشارك استشاري التمريض والرعاية الحادة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة الدكتورة هيفاء المطيري، ازدياد الأمراض المزمنة في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، خصوصاً تلك المتعلقة بمضاعفات السكري وارتفاع ضغط الدم، خاصة في أعداد المصابين بالفشل الكلوي، فالتقارير الحديثة من المركز السعودي لزراعة الأعضاء تشير إلى أنه يخضع حوالى 21,068 شخصاً للعلاج ببدائل الكلى، الغسيل الكلوي الدموي أو البريتوني. ويمكن لمثل هذا المرض أن يؤدي إلى تقليل متوسط العمر المتوقع للشخص وزيادة نسبة الإصابة بالمضاعفات والإعاقات الوظيفية والجسدية، ما يؤدي إلى تكلفة عالية للأفراد والمنشآت الصحية والمجتمع، ومن هذا المنطلق يأتي الدور الرئيسي للتمريض لتقديم الدعم اللازم لهذه الشريحة من المجتمع. تضيف الدكتورة هيفاء، أن المصاب بقصور في وظائف الكلى يمر بمراحل عدة، وتعتبر المرحلة الخامسة هي المتقدمة والأكثر حدة، وتتطلب اللجوء إلى بدائل داعمة للحياة مثل الغسيل الكلوي أو زراعة الكلى. ويعرف مرض الفشل الكلوي بالمرض الصامت لعدم وجود أعرض أو دلالات واضحة له حتى وصوله إلى تلك المراحل المتقدمة، ويقوم الممرضون بدور فعال في جميع المراحل في علاج الفشل الكلوي ابتداءً من المراحل الأولية التي تهدف إلى التحكم في المرض من خلال منعه أو الحد من تطوره. الممرضون يطوقون الحالة يكمن الدور المهم للممرضين في التعرف على الفئة الأكثر عرضة للإصابة بمرض الفشل الكلوي، وبالتالي يمكنهم مساعدة مرضاهم على تجنب تطور المرض من خلال اكتشاف عوامل الخطر والسيطرة عليها؛ مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة، وتزويدهم بفهم أكثر شمولاً لحالتهم والطرق التي يمكنهم استخدامها للتحكم في حالتهم الصحية. وكذلك متابعة حصول مرضاهم على الفحوصات الروتينية؛ مثل تحليل وظائف الكلى لمراقبة مستوى الكرياتينين واليوريا في الدم، وإحدى مسؤوليات الممرضين هي تشجيع أنشطة تعزيز الصحة ورفع الكفاءة الذاتية التي يمكن أن تؤخر أو تمنع تطور مرض الفشل الكلوي المزمن. وتشمل توفير معلومات حول خيارات نمط الحياة الصحية؛ مثل التغذية وممارسة الرياضة أو المشورة بشأن إدارة الوصفات الطبية ومراقبة الأعراض وتشجيع المرضى ومتابعتهم في الالتزام بالتعديلات المرجوة على نمط الحياة. مرحلة متقدمة.. ما العمل؟ في المراحل المتقدمة من الفشل الكلوي، كما تقول الدكتورة هيفاء، يساهم الممرضون في تأهيل المرضى لتسهيل المرحلة الانتقالية لغسيل الكلى وتعليم المرضى بالخيارات العلاجية المختلفة، مما يساعد المرضى في اتخاذ القرار المستنير. وعند انتقال المريض لغسيل الكلى تقدم الرعاية تمريضية في جميع مراحل الغسيل، وتتضمن مرحلة ما قبل الغسيل وأثناء الغسل ومرحلة ما بعد الغسيل، ويشمل ذلك تقييم حالة المريض، مراقبة العلامات الحيوية، تجهيز معدات الغسيل الكلوي وإعداد جهاز الغسيل حسب الخطة العلاجية، وإعطاء الأدوية. كما لا يقتصر دور الممرضين على ذلك، بل يقدم الممرضون الدعم الإرشادي للمرضى ولأسرهم للتعامل مع التأثيرات العاطفية والنفسية لمرض الفشل الكلوي وإحالتهم للمختصين لضمان توفير الرعاية التكاملية ومساعدتهم للتعايش مع القيود التي قد يفرضها المرض. وإحدى المهمات الحيوية للممرضين هي دعم الأشخاص المصابين بالفشل الكلوي ليعيشوا حياة طبيعية قدر الإمكان، وتحسين جودة الحياة لديهم. وأحد جوانب هذا الدعم هو السيطرة على الأعراض المصاحبة للفشل الكلوي قدر الإمكان وتعزيز الموارد الصحية لمنع أو تأخير تقدم المرض. 247 مركز غسيل للكبار والصغار أوضحت وزارة الصحة ل«عكاظ»، أن مرضى الفشل الكلوي الذين يخضعون للغسيل نحو 23,000 مريض، منهم 15,400 مريض تُقدَّم لهم خدمات الغسيل من خلال المراكز التابعة للوزارة الصحة. كما وفرت وزارة الصحة 247 مركز غسيل كلوي للكبار والأطفال من مرضى الفشل الكلوي تغطي جميع أنحاء المملكة لتقديم جميع خدمات الغسيل الكلوي بجميع أنواعه الدموي والبريتوني والغسيل الدموي المنزلي مع توفير طواقم طبية ذات كفاءة عالية. وكذلك أجريت 6516 عميلة جراحة قلب مفتوح خلال 2023م؛ وفق أفضل الإجراءات المعتبرة عالمياً. تعرَّف على حقوقك يرى المستشار الاجتماعي طلال الناشري، أن ثمة وسائل تسهم في تذليل الصعوبات لأصحاب الأمراض المزمنة، فهناك العديد من الطرق التي يمكن أن تساعد في تخفيف الصعوبات التي تواجه أصحاب الأمراض المزمنة؛ منها توفير الدعم الاجتماعي من الأصدقاء والعائلة والمجتمع، ويمكن للدعم العاطفي والمعنوي المستمر أن يساعد في تحسين معنويات المصابين، وتوفير المعلومات والتثقيف والتوعية المستمرة حول الحالات المرضية المزمنة، وكيفية التعامل معها، كلها يمكن أن تسهم في تمكين المرضى وأسرهم، ويجب أن تكون الرعاية الصحية متاحة وميسرة للمرضى المزمنين. مثل توفير العلاجات والأدوية الضرورية وتقديم الدعم الطبي والتمريضي، ويجب أن يكون لدى المرضى سهولة الوصول إلى المعلومات حول حقوقهم في مجال الرعاية الصحية وكيفية الحصول على الدعم اللازم. علامات خطرة.. انتبه ! استشاري أمراض الكلى الدكتور سعد الشهيب أوضح أنه في كثير من الحالات، لا تظهر أعراض أمراض الكلى في المراحل المبكرة. ومع ذلك، قد تظهر بعض الأعراض في الحالات المتقدمة، منها تورم القدمين والكاحلين واليدين، والشعور بالتعب، وصعوبة التنفس، وغثيان، وقيء، وفقدان الشهية، وألم في الظهر، ودم في البول. و40% من مرضى الكلى يعانون من الاكتئاب، وهو أكثر شيوعاً في المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي. والشعور بالوحدة والانعزال وصعوبة التكيف مع التغييرات في نمط الحياة. 21,586 زرعوا أعضاء يعتبر المركز السعودي لزراعة الأعضاء هو الجهة المشرفة على برامج ومراكز زراعة الأعضاء والتبرع بها في المملكة، الذي أنشئ في 19/5/1404ه بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين بعد أن لاحظ كثرة أعداد مرضى الفشل الكلوي الراغبين في السفر إلى خارج المملكة لإجراء عمليات زراعة الكلى وتكبدهم ومرافقيهم مشقة السفر وعناء الغربة وطول الانتظار، إضافة إلى التكاليف الباهظة التي تصرفها الدولة عليهم، وأوضحت الإحصاءات المسجلة في المركز أن عدد الأعضاء التي تمت زراعتها في المملكة 21,586، وأن عدد المتبرعين 17,722 متبرعاً، وأعداد المرضى في قوائم الانتظار 1,940 مريضاً، وأعداد المسجلين الراغبين بالتبرع 504,756 شخصاً.