لم تكن قمّة الرياض العربية الإسلامية كباقي القمم التي عُقدت من قبلها، بقدر ما كانت قمّة وضع النقاط على حروف المجتمع والنظام الدولي. كانت قمّة استثنائية بالشكل والمضمون، وتحديداً بالمقرّرات التي جاءت في بيانها الختامي، وما استتبع من تصريحات على لسان وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، وأمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط. كل القرارات التي صدرت عن القمّة حتمية، إن لجهة كسر الحصار عن قطاع غزة ووجوب إدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية، أو لجهة رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم داخل القطاع أو خارجه، إلا أنّ قرارين كانا مميزين وبارزين يشكلان سابقة في تاريخ القمم العربية والإسلامية. الأول مسألة رفض ازدواجية المعايير، والثاني دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة. في مسألة ازدواجية المعايير، دعت قمّة الرياض العالم وتحديداً الدول الكبرى التي تدعم إسرائيل للوقوف أمام مسؤولياتها القانونية والإنسانية، خصوصاً أن هذا الدعم يؤثر على مصداقية هذه الدول، وبالتالي على مصالحها وعلاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي. هو جرس إنذار عربي إسلامي لتلك الدول التي ما زالت تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بكل جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان والشرعة الدولية. لقد أسقطت قمّة الرياض الأقنعة الدبلوماسية التي تتستر خلف مصطلحات لا قيمة لها قانونياً وإنسانياً، ومنها «حق الدفاع عن النفس»، أو «يحق لإسرائيل أن تستعمل كل الأسلحة ضد الأبرياء والمدنيين». شكلت قمّة الرياض دعوة صارخة للمجتمع الدولي، وتحديداً الغربي، للعودة إلى لغة العقل والقانون والمبادئ الإنسانية. فحقوق الإنسان لا تتجزأ ولا يمكن تلوينها أو استعمالها «عند الطلب»، بقدر ما يجب أن تكون مبادئ ثابتة لا يلتف حولها أحد ولا يمتلكها أحد. هي مبادئ وُضعت لحماية الإنسان، كل إنسان، مهما كانت جنسيته أو لغته أو لونه. أما في دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق، فتكتسب أهمية كبيرة كونها صادرة عن 57 دولة تشكّل ثلث أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة. ما يجعل المؤسسة الدولية بكافة تفرعاتها، والمحكمة الجنائية جزء منها، تتحمل مسؤولياتها، وتبادر فوراً إلى توصيف ما يحصل في غزة من جرائم وتهجير ومجازر وقتل تحت مسمى جرائم الحرب كما تقول الشرعة الدولية. لقد كانت قمّة الرياض واضحة وصريحة، أنّ لا سلام دون إقامة دولة فلسطينية حرة مستقلة ينعم فيها الشعب الفلسطيني بكامل حقوقه المصونة بالقانون الدولي، وأن أي تأخير أو تلكؤ في إنجاز قيام هذه الدولة يشكل شراكة بصناعة العنف في العالم، وبضرب الاستقرار والأمن الدوليين. إنّ الشعب الفلسطيني يمارس حقه في المقاومة لأن المجتمع الدولي لم يمارس واجبه في إعطائه حقوقه، فعبر ازدواجية المعايير التي يمارسها المجتمع الغربي يدفع المجتمعات العربية والإسلامية باتجاه اللااستقرار ويؤسّس كل فترة زمنية لجولات وجولات من الصدام والعنف. إنّ الحياة والعيش الرغيد ليسا منحة لشعب دون آخر، أو لمجموعة دون أخرى، هي حق مكتسب لكل مدني ولكل إنسان يعيش على أرض المعمورة. وضعت قمة الرياض العربية الإسلامية خطاً فاصلاً مع المجتمع الدولي، المطالب بتحمّل مسؤولياته وبإعادة النظر بمنطق التفكير ومنهجية هذا التفكير.. السلام لا يُفرض بدبابة ولا بغارة ولا بالانحياز لطرف ضد آخر. بل يُفرض السلام بإرساء العدالة ومنطق القانون على الجميع دون تفرقة أو مراعاة. المجتمع الدولي مطالب بالاستماع إلى شعوب العالم وإلى الشعوب التي نزلت إلى الساحات في واشنطن ولندن وباريس، للمطالبة بوقف المجزرة ووقف إطلاق النار في غزة. لقد قالت القمّة العربية في الرياض، إنّ الوقت قد حان ليس لوقف إطلاق نار، بل الوقت حان لإرساء العدالة في العالم وتحديداً في الشرق الأوسط، ولا عدالة دون حلّ سياسي يقوم على مبدأ الدولتين، بحيث ينعم الفلسطينيون بحقوقهم الكاملة غير الناقصة في العيش في كنف دولة يديرونها هم ويحكمونها هم تحت سقف القانون الدولي. إنّ السلام ليس شعاراً يتم استعماله عند الحاجة بل هو هدف يجب تحقيقه وحمايته كعمل يومي لكل الدول التي تؤمن بحق الإنسان في العيش على هذه الأرض. قمّة الرياض أصدرت موقفاً عربياً إسلامياً صلباً وعلى المجتمع الدولي والغربي الإنصات للعالمين العربي والإسلامي، وإلا فإنّ الآتي أعظم. لا وجود لتنمية مع الحرب، ولا وجود لحرب مع ترسيخ العدالة، والكرة اليوم في ملعب الغرب وحكوماته.