يشهد العالم أوقاتاً عصيبة تتوالى أحداثها فتلقي بظلالها هنا وهناك على مجمل الأوضاع، واليوم تعيش المجتمعات تحت طائلة تفاعلات طبيعية عديدة مثل التغيّر المناخي والزلازل، وأخرى جيوسياسية وسياسية بأبعاد اقتصادية مثل الحروب، فيما لا يزال العالم يعاني تبعات جائحة كورونا ومثيلاتها من الأوبئة والأمراض.. كل ذلك أدى إلى بروز اختلالات في الوفاء باحتياجات أساسية؛ أهمها الغذاء والمياه الصالحة للاستخدام والدواء، وهذا بلا شك واقع يعايشه كثيرون في مختلف أرجاء المعمورة. ولم يفلت من تلك الانعكاسات السالبة إلا قلة من الدول بأمر الله عز وجل أولاً، ثم الرؤية الإستراتيجية لقادتها والتخطيط المنهجي؛ مثلما هو الواقع ببلادنا الحبيبة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله لا سيما أن الدولة تمضي وفق رؤية 2030 التي تضمنت برامج ومستهدفات في كافة مناحي الحياة. ولعل تحقيق الأمن الغذائي كهدف إستراتيجي يشكل واحداً من مستهدفات تلك الرؤية؛ كونه أحد الأعمدة الرئيسية لاستمرار الحياة أولاً، وركيزة في تحقيق الأمن بمفهومه الشامل مصداقاً لما جاء في قول الله عز وجل: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، فكان الربط والتلازم بين توفر الغذاء وسيادة الأمن. ومعلوم أن الأمن الغذائي هو (وضع يتحقق عندما يتمتع جميع الناس في جميع الأوقات بإمكانية الحصول المادي والاقتصادي على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية وأفضلياتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية) وفقاً لما خلص إليه مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996. وقيادتنا الرشيدة أيّدها الله لم تألُ جهداً من أجل ضمان توفير الأمن الغذائي، من خلال خطوات عملية مهمة، خاصة في ظل الدور المهم الذي تضطلع به الهيئة العامة للأمن الغذائي حيث تم اعتماد إستراتيجية وطنية شاملة للأمن الغذائي بقرار مجلس الوزراء الموقر رقم (439) بتاريخ 15/ 8/ 1439ه، إذ أعدت وزارة البيئة والمياه والزراعة هذه الإستراتيجية متضمنة خطة واضحة الأهداف للاستثمار الزراعي السعودي مع الجهات الأخرى ذات الصلة في دعم تحقيق وتعزيز أمننا الغذائي وفق رؤى وبرامج طموحة تسهم بعون الله تعالى في تحسين مؤشرات الأمن الغذائي للمملكة، وبشراكة ذكية بين القطاعين العام والخاص، من شأنها تحقيق الأهداف الوطنية في مجال توفير إمدادات السلع الغذائية، لا سيما أن هيئة الأمن الغذائي تعكف على صياغة مخطط شامل للتخزين الإستراتيجي يتضمن التشريعات اللازمة، وكذلك تطوير نظم الإمداد المبكر للغذاء، مع تحديد مستهدفات الفقر والهدر الغذائي، فضلاً عن تأكيدها على التعاون الإيجابي وتبادل الخبرات مع الدول الأخرى والمنظمات العالمية لما فيه مصلحة وخير الشعب السعودي. ومعلوم أن المملكة ضمن اقتصاديات مجموعة العشرين وتعمل على مواجهة تحديات عديدة يفرضها الراهن الدولي، ولها في هذا المضمار جهود كبيرة منها على سبيل المثال زيادة مخزونها الإستراتيجي من القمح، مع تنويع مصادر شرائه بزيادة الاعتماد على الاستثمارات السعودية في الداخل وتشجيع المزارعين عبر تسهيلات وقروض تساعدهم على الانتاج لرفع حصة المملكة للوصول الى الاكتفاء الذاتي، وهو ما يحسب لحكومة المملكة، فيما تتأثر بعض الدول من جراء الحرب الروسية الأوكرانية وعقبات سلاسل الإمداد. وبالمقابل تعزز المملكة برامج وخطط تعزيز الأمن الغذائي، بل إنها ترمي إلى تحقيق الوفرة وليس مجرد الاكتفاء، بالتركيز على الإنتاج المحلي المستدام، ورفع الجاهزية والقدرات وصياغة نظام حوكمة فعّال، مع مضاعفة الجهد لوقف الفقد والهدر الغذائي. ومن نافلة القول إن الدولة أعزها الله تعمل وفق رؤية 2030 على تعزيز دور القطاعات الداعمة للنظم الغذائية، وتحسين الإنتاجية الزراعية، فضلاً عن الاهتمام المتزايد بالبحث والابتكار في هذا المجال الحيوي، ومن جانبها تقوم الجهات ذات الصلة بجهود وطنية مشهودة في الجودة والأداء. * كاتب اقتصادي Tweeter:@KhaledSAlAmoudi