تخطو المملكة خطوات ثابتة نحو علاقات متميزة وتحالفات مثمرة، وتبني علاقات متميزة مع العالم باعتبارها صديقة للجميع وفقاً لسياستها ومكانتها الإستراتيجية وتأثيرها الإقليمي، كما تؤمن المملكة بأهمية الحوار واحترام الآخر من منطلقات احترام سيادة الدول وشؤونها الخاصة. ليس بين يوم وليلة، ولم يكن قراراً سريعاً أو مفاجئاً كما هو في ظاهر خبر استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، بل نتاج مباحثات وحوارات معمقة وتفاهمات يتسيدها الأمن وحسن الجوار والاحترام، وللتعمق في لب الخلافات التي كانت قائمة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية لا بد من استحضار حقيقة هامة وهي أن المملكة دائماً تحرص على أمنها وأمن جيرانها واستقرار منطقة الشرق الأوسط بشكل عام بوصفه جزءاً حيوياً من أمن واستقرار العالم في ظل التحديات الجيوسياسية والاقتصادية الآنية، ومن ناحية أخرى فليس للمملكة أية حدود مع إيران، وبالتالي يسقط السبب الجغرافي. تم قطع العلاقات على مر التاريخ بين السعودية وإيران ثلاث مرات 1943م، وعام 1987م والمرة الأخيرة عام 2016م بعد الهجوم على سفارة المملكة في طهران، وقد تم ترميم العلاقات عدة مرات أيضاً، ولكن الجديد في الأمر هو الوساطة الصينية وبرعاية شخصية من الرئيس الصيني الذي أقنع السعودية بمبادرة عودة العلاقات واستعداد إيران للانخراط في مباحثات بناءة وصادقة، وقد أطرت المبادرة الاتفاق بالتزامات قبلتها قيادة المملكة وثمنتها للجانب الصيني وجهود الصين الفاعلة في استضافة المباحثات من أجل دعم مسار تصحيح العلاقات، لما للصين من مكانة إقليمية ومكانة خاصة لكلا الجانبين السعودي والإيراني كصديق مشترك للدولتين مما يعد ضامناً مهماً لجدية الاتفاق وأيضاً يعد خطوة مهمة للصين للدخول في الترتيبات الدولية الكبرى وفض الخلافات وعقد الاتفاقيات الأمنية، فكان الدور السعودي في التفاهمات بارزاً ومتميزاً برعاية وزير الدولة ومستشار الأمن الوطني الدكتور مساعد العيبان، ومن الجانب الإيراني رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني لتتم الاتفاقية بما يتوافق مع سياسة المملكة وضمان أمنها واستقرارها، أما من ناحية التوقيت للاتفاق ففي تقديري أنه مهم جداً وسط التحديات السياسية التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، ويتسق كثيراً مع حراك التحالفات وتعزيز العلاقات الذي تتبناه المملكة في الوقت الحالي وبالأخص في مرحلة برود العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت الإدارة الحالية. لم تنزلق المملكة يوماً في قرارات سياسية غير محسوبة العواقب، وكذلك هو الحال في الوقت الحالي الذي تحشد فيه قوى غربية متعددة حرباً كلامية وتلميحات سياسية وعسكرية ضد إيران ولكن المملكة تجاوزت هذا المنزلق وهي تعلم جيداً أنه سيؤدي إلى فوضى في المنطقة بتوجيه سياسة المملكة إلى الحلول الدبلوماسية ونزع فتيل الأزمات وكسب الصداقات وتقليص مساحة الخلافات إلى الصفرية وسد الفراغات الإقليمية بسلمية تامة وعلاقات وطيدة قوامها الاحترام والأمن. مشروع المملكة في المنطقة هو بتجرد تام (الأمن والاستقرار) ومن ينشد هاتان القيمتان ويناضل من أجلهما فهو بلا شك ينشد السلام للعالم أجمع.