يزخر تاريخ العرب بالكثير من قصص «الوفاء» النادرة، ويتصدر قائمة «القيم الرفيعة» لدى الشخص العربي؛ حاضرة وبادية.. والتراث الشعري العربي قبل الإسلام يحفل بمئات القصائد الممجدة للوفاء الرافعة من شأن الإخلاص.. ولما بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم كان «الوفاء» تعزيزاً لمكارم الأخلاق وحفظ حقوق الآخر (إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق)... ولذلك فإن «الصداقة» ليست ترفاً إنما هي علاقة سامية جامعة لمعظم أخلاق البشر وصفاتهم، ولهذا كانت واحدة من مقاصد الشريعة في العلاقات الإنسانية. وحين وصف القدماء «الصديق» بمقولة «ربَّ أخ لك لم تلده أمك»؛ ظهر في الآونة الأخيرة قصص ومواقف غدر الأصدقاء؛ رجالاً ونساء، وتخلت «الصداقة» عن الكثير من القيم الجميلة التي كانت تحملها، بل إن البعض يستغلها لتحقيق مآربه وأهدافه التي لا يمكن أن تتحقق إلا بعد أن يمنحه الصديق ثقة الصداقة وحقوقها. ما جعلني أختار هذا الموضوع لمقالتي هو حادثة «جُدَّة» المروعة التي زلزلت الأرجاء، إذ غدر صديق بصديقه مستغلاً علاقة الصداقة والثقة بينهما، فقُتل الصديق المغدور وهو يصرخ «ماذا فعلت لك؟.. كنت صديقك الوفي»، مات وهو يبكي قيم الصداقة والوفاء.