بعد عقود من ظهور التلفزيون ومليارات الساعات من البث المتواصل وآلاف المسلسلات ومثلها البرامج ونشرات الأخبار وبرامج المنوعات والمسابقات والبرامج الحوارية، انتقلت جميعها إلى رفوف النسيان وقد لا تحظى بفرصة ثانية في البث وحتى يأتي من يعيد تدويرها عبر برامج الذكريات والزمن الجميل أو من خلال فيلم وثائقي يناقش فيه محتوى تلك المواد مصير هذه الأعمال المستلقية على رفوف التاريخ هو مصير كل المنتجات الإعلامية الجديدة إلا منتج واحد دائماً ما يجد طريقه للبث وهو أكثر تأثيراً من غيره منتج (الأفلام) والوثائقية خاصة، هي تحظى بحياة أطول وعمر أكبر، وغالباً ما تتحول إلى مرجع تاريخي ومصدر ثقافي يُعاد إليه بين فينة وأخرى، إذ تبقى شاهدةً على العصر وقابلة للتداول متى استدعيناه.. تتجلى أهمية الفيلم الوثائقي في تعريف الاتحاد الدولي للأفلام الوثائقية الصادر في العام 1948، حين عرفه بأنه كافة أساليب التسجيل على فيلم لأي مظهر للحقيقة، يعرض إما بوسائل التصوير المباشر، أو بإعادة بنائه بصدق، وذلك لحفز المشاهد إلى عمل شيء، أو لتوسيع مدارك المعرفة والفهم الإنساني أو لوضع حلول واقعية، لمختلف المشاكل في عالم الاقتصاد أو الثقافة أو العلاقات الإنسانية، فالفيلم الوثائقي يسعى لبث رسائل إنسانية غايتها التحفيز أو لفت الانتباه، ولأجل التثقيف والتعليم ورفع مستوى الوعي. وهو ما اكتشفه الغربيون، فمن خلاله دخلوا ودخلنا بعدهم إلى عوالم كانت مجهولة وبعيدة عن إدراكنا. وتعرفنا على مجاهل أفريقيا والطبيعة البكر، والحياة الفطرية، وعالم الفضاء، ونظريات الفيزياء والتاريخ، واكتشفنا أسرار المعالم الأثرية، وساعدتنا على فهم واقعنا واستنباط التجارب الناجحة. الأفلام الوثائقية فرصة لفهم نفسية المجتمع وسيكلوجية الحياة اليومية لحقبة محددة من الزمن وإنثربلوجيا الإنسان في نفس الفترة وما قد يؤثر فيها أو يتفاعل معها من أفكار أو ظواهر أو أعمال ويساعد كثيراً في فهم تطور المجتمع. الحقيقة، ليس لأي شكل فني مصور آخر القدرة والإمكانات لنقلنا إلى عوالم حقيقية بدون افتعال كالفيلم الوثائقي. أعتقد أنه حان الوقت للاهتمام بإنتاج الأفلام الوثائقية التي تروي كل قصصنا السعودية، كل التفاصيل الثقافية التي شكلت هوية الإنسان السعودي عاداته وتقاليده أكلاته ومنتجاته الفكرية والاقتصادية والزراعية، تحولات هذا المجتمع وقفزاته التنموية فمن حق الأجيال القادمة أن نحفظ لها أيامنا هذه بنجاحاتها وإخفاقاتها بتحدياتها وأزماتها. حان الوقت لإنشاء قناة سعودية وثائقية تقود هذا الحراك، وهي فرصة ثمينة لهيئة الأفلام بتقديم مبادرة لإنتاج سلاسل من الوثائقيات بشكل سنوي وتشجيع صناع المحتوى على تبني هذه الأعمال، لنكوّن ذاكرة بصرية فيلمية تبقى مرجعاً لا يندثر كما حفظ الشعر قصص وبطولات ونكسات العرب في يوم من الأيام. * مذيع ومنتج سعودي