• في صباح يوم الأحد ال18 من ذي الحجة (1443ه)، رحل عنا والدي إلى جوار الرفيق الأعلى، وكان رحيله فاجعة حلّت بنا، ويا لها من فاجعة تعجز الكلمات عن وصفها. • قبل وفاته بيوم، صعدتُ وإخوتي بعد صلاة المغرب إلى منزله لنتناول القهوة مع بعضنا، ونتبادل الأحاديث كعادتنا اليومية، وكنا في ذلك اليوم معه إلى الساعة العاشرة والنصف مساء، ولم نكن نعلم أنه آخر لقاء يجمعنا بفقيدنا الغالي. • ثلاثون يوماً مرت على رحيل والدي، لم يتوقف شريط الذكريات خلالها لحظة واحدة. • ربما لن أستطيع الحديث عن يوم رحيله كما يجب، فما زلتُ ألملمُ أشلاء مشاعري التي ضربها «رحيل الفجأة» فتناثرت شظايا هنا وهناك. • يكفي أن أقول إنني لم أستطع وضع رأسي على وسادتي في أول ليلة أكون فيها بلا أبٍ، فلقد تذوقت تلك الليلة مرارة اليتم كبيراً. • إن كنتُ بعد الأيام الثلاثين خرجتُ من مرحلةِ الشك إلى الحقيقة، وتأكدتُ أن أبي رحل جسداً، فما زلتُ موقناً أن روحه معنا، وأنفاسه تعطر زوايا منزلنا، وتمتمة تسبيحاته تهدينا الطمأنينة، وهيبته ستبقى مركز التحكم في سلوكياتنا. • رحل أغلى الرجال.. رحل كريم الخصال، نقي السريرة.. بكته القلوب قبل العيون، فكان ثناء الناس عليه أفضل ما نعزي به أنفسنا، وهكذا هم الأنقياء يتركون أثراً في كل من حولهم، ويرحلون بهدوء. • رحلتَ يا أبي وتركت فينا كسراً لا يجبر، ونار شوقٍ لا تنطفئ، وحزناً نحاول تخفيفه ب«إنّا لله وإنّا إليه راجعون»، فلترقد بسلام محفوفاً بدعواتِ أحبابٍ لن ينسوك أبداً.