هل يعيش العالم وباءً مزدوجاً؟ فبينما تسجل الإصابات الجديدة بفايروس كورونا الجديد (كوفيد-19) زيادة منتظمة، خصوصاً في الولاياتالمتحدة؛ يتسع نطاق القلق من تفشي فايروس جدري القرود.. حتى أن منظمة الصحة العالمية تساءلت أمس: هل تعد إصابات جدري القرود الحالية قمة جبل الجليد، أم أن هناك عدداً غير معروف من الإصابات بهذا الفايروس في مجتمعات شعوب المعمورة؟ في ما يتعلق بكوفيد-19؛ بلغ عدد إصابات العالم بهذا الفايروس الجمعة 604.648 إصابة، رافقتها 1477 وفاة إضافية. وفي أمريكا سجلت السلطات الصحية الجمعة 109.925 إصابة جديدة، تمثل زيادة نسبتها 22% عما كان عليه الوضع قبل 14 يوماً. كما أن عدد حالات التنويم في أمريكا بلغ السبت 26.210 حالات؛ تمثل زيادة قدرها 27% عما كانت عليه قبل 14 يوماً. وفضلاً عن ذلك فإن وفيات أمريكا بالفايروس الجمعة بلغت 375 وفاة، تمثل زيادة نسبتها 13% عما كانت عليه منذ أسبوعين. غير أن منظمة الصحة العالمية تقول إن الأسبوع الماضي شهد 3.7 مليون إصابة جديدة، ونحو 9 آلاف وفاة إضافية. وتضيف أن ثمة هبوطاً ملموساً في الإصابات الجديدة في سائر أنحاء العالم، باستثناء أمريكا الشمالية والجنوبية، ومنطقة غرب المحيط الهادي. وفيما تناقص عدد الوفيات الجديدة بفايروس كوفيد-19 في سائر العالم، إلا أنه سجل ارتفاعاً بنسبة 30% في الشرق الأوسط. واعتبرت المنظمة أن جميع السلالات المتفرعة من أوميكرون «مثيرة للقلق». بيد أن القلق الناجم عن إصابات فايروس جدري القرود يبدو أكبر من ذاك الناجم عن أزمة كورونا. فقد ارتفع عدد الحالات الجديدة بهذا المرض إلى نحو 200 إصابة، منذ إعلان بريطانيا أول إصابة في أرضيها في 7 مايو الجاري. ويقول المركز الأوروبي للحد من الأمراض والسيطرة عليها إن عدد الإصابات في القارة الأوروبية يبلغ حالياً 210 إصابات. وقالت إسبانيا أمس الأول إن عدد إصاباتها بجدري القرود ارتفع إلى 98 إصابة، فيما تقول بريطانيا إن عدد حالاتها وصل الجمعة الى 90 إصابة مؤكدة. وأعلنت السلطات البرتغالية، أمس الأول، أن عدد إصابات البرتغال يبلغ 74 حالة مؤكدة. وأضافت أن جميع الإصابات حدثت لذكور، تقل أعمار غالبيتهم عن 40 عاماً. وأثار تفشي فايروس جدري القرود تساؤلاً مهماً: من هو الشخص الذي يتمتع بحماية ضد هذا المرض؟ وهو سؤال أجابت عنه «نيويورك تايمز» أمس بالقول إن أي شخص بالغ أو طفل يتمتع بمناعة قوية سيكون بعيداً على الأرجح من تفاقم المرض حال إصابته. لكن هناك فئتين يعتقد بأنهما تواجهان مخاطر مرتفعة؛ الأولى هم الرضع الأقل من ستة أشهر من أعمارهم، وإن لم يتضرروا بعد من هذا التفشي. أما البالغون الأكبر سناً فهم يتمتعون بالمناعة التي وفرها لهم التطعيم بمصل الجدري منذ عقود. وحتى لو أصيبوا، فستكون إصاباتهم طفيفة. ونقلت «التايمز عن مدير المعهد القومي الأمريكي للشيخوخة الدكتور لويجي فيروتشي إنه حتى لو خضع أولئك البالغون للتطعيم بمصل الجدري قبل 50 عاماً فإن مناعتهم ضد الفايروس باقية وقوية. وعلى رغم أن الولاياتالمتحدة أوقفت التطعيم بمصل الجدري منذ سنة 1972، إلا أن أفراد الجيش الأمريكي ظلوا يخضعون للتطعيم به حتى سنة 1991، بذريعة التحسب من أي هجوم بيويولوجي. وتقول السلطات الأمريكية إنها رصدت نحو 260 إصابة بجدري القرود، وإنها تتقصّى نحو 9 إصابات مشتبه بها في سبع ولايات. وأوضحت مديرة المراكز الأمريكية للحد من الأمراض ومكافحتها الدكتورة راشيل فالينسكي إن جميع الإصابات المؤكدة والمشتبه فيها في الولاياتالمتحدة ليست لها أي صلة بالسفر إلى أو العودة من المناطق التي يعتبر جدري القرود متوطناً فيها، وهي أفريقيا الغربية والوسطى. ويعني ذلك بالتالي أن هذا الفايروس ظل فاشياً في المجتمعات الأمريكية بدرجة أو أخرى. وأشارت «التايمز» أمس إلى أن الأطباء الأمريكيين سحبوا عينات دم من 306 أشخاص سبق تطعيمهم بمصل الجدري قبل عقود، فاتضح أنهم لا يزالون يتمتعون بمناعة قوية ضد الجدري. وبينهم شخص خضع للتطعيم بذلك المصل قبل 75 عاماً، اتضح أنه لا يزال يملك عدداً كبيراً جداً من الأجسام المضادة القادرة على تدمير أي هجمة لفايروس الجدري. وتوصلت دراساتهم إلى أن فعالية مصل الجدري تبقى قوية، وتنخفض الى مستوى النصف بعد 92 عاماً من الخضوع للتطعيم. بدأ عدد من الدول إتاحة الحصول على لقاح الجدري لمواطنيها، خصوصاً ذوي المخاطر المرتفعة. ولا يوجد لقاح محدد لجدري القرود، لكن لقاح الجدري يتيح مناعة تصل نسبتها إلى 85% ضد جدري القرود. وفيما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه قرر شراء كميات كبيرة من لقاح الجدري من شركة بافاريان نورديك الدنماركية التي تنتجه؛ قالت بريطانيا إنها وفرت 20 ألف جرعة من لقاح الجدري، وأتاحت لبعض الكوادر الطبية ومخالطي المصابين الحصول عليه. وأعلنت الدنمارك أنها مستعدة لتطعيم مخالطي المصابين. وأوصت فرنسا بتطعيم الكوادر الصحية ومخالطي المصابين بلقاح الجدري. وأمرت ألمانيا بشراء 40 ألف جرعة من لقاح الجدري لبدء حملة تطعيم إذا تفاقمت الأزمة الصحية الناجمة عن هذا الفايروس. وتقول كندا إنها قررت استخراج آلاف الجرعات من مخزوناتها من لقاح الجدري المسمى «إيمفاميون». وكانت أمريكا ذكرت الأسبوع الماضي أنها وفرت لقاح جينيوس، الذي تنتجه شركة بافاريان نورديك. سلالة «فرعية» ترعب الولاياتالمتحدة ذكر علماء أمريكيون أمس أن سلالة BA.2.12.1 المتحدّرة من سلالة أوميكرون، التي تهيمن على الإصابات الجديدة في الولاياتالمتحدة، تتفشى بسرعة أكبر من سلالة أوميكرون الأم؛ بل إنها تملك قدرة أكبر على اختراق المناعة المتأتية من التطعيم بلقاحات كوفيد-19، وقد تتسبب في تفاقم المرض لدى المصابين. وأوضحوا أن ذلك يعزى الى الحقيقة المتمثلة في أن خصائصها الوراثية تضم خصائص سلالتي أوميكرون ودلتا في آنٍ معاً. وذكر العلماء أن سلالة BA.2.12.1 مسؤولة عن 58% من إصابات كوفيد-19 في أمريكا خلال الأسبوع الماضي. وأضافوا أن هذه الخصائص المزدوجة تمتلكها أيضاً السلالتان المتفرعتان من أوميكرون في جنوب أفريقيا، وهما BA.4 وBA.5. وخلصوا إلى أن الإصابة بسلالة أوميكرون لا تمنع الإصابة مجدداً، خصوصاً بالسلالات المتفرعة منها، ولذلك أعلن البيت الأبيض، الخميس الماضي، أنه قرر العمل على توزيع أكبر قدر ممكن من أقراص باكسلوفيد، التي ابتكرتها شركة فايزر الأمريكية لمعالجة كوفيد-19، في مسعى إلى خفض معدل الوفيات، حتى إذا تواصل الارتفاع في عدد الإصابات الجديدة.