مهما دوّن التاريخ فإنه يقف عاجزاً عن وصف حقيقة الأحداث التاريخية وحجم التضحيات والتحديات في سبيل تحقيقها، خصوصاً تلك التي غيرت مجرى التاريخ؛ تلك التي لا يمكن أن تبلغها الكلمات ولا الشهادات، ويبدو الأمر سهلاً للقارئ حتى يغوص في التفاصيل فيخذله الخيال في تصور ما جرى؛ وهذا هو الحال مع قصة كفاح امتدت لثلاثين عاماً (1902 - 1932) وانتهت بتوحيد المملكة العربية السعودية على يد المغفور له المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله-. يقول الرحالة والباحث الياباني تاكيشي سوزوكي في كتابه (ياباني في مكة): «يمكن أن أقول بكل ثقة.. إن هذا الإنسان بطل منذ أن كان صغيراً، عاش حياة كلها كفاح مستمر ونضال لم يتوقف، حتى وأنا أكتب هذه الجملة أريد أن أتطلّع إلى يدي اليمنى التي لمست يده وصافحته لا يمكن أن أتمالك نفسي عن التفكير في تلك اللحظات، كانت يده قدر يدي مرتين، كانت آثار وعلامات الكفاح والنضال لا تزال واضحة للعيان على أصابع كفيه وأتخيل أيضاً قمته الفارهة، كان عليّ أن أرفع رأسي وأشد قامتي إلى أعلى حتى أشاهد وجهه». لقد انطلق الملك عبدالعزيز يرافقه 60 رجلاً متسلحين بأسلحة لا تذكر وبالكثير من الشجاعة والعزم ليستعيدوا دولتهم التي كانت تعيش الفقر والخوف مشتتة بين الكثير من التحالفات والتناقضات؛ حتى خيّل للناس وقتها أنها مجموعة دول وليست دولة واحدة.. كانت الصورة واضحة لدى بطل واحد لم يكتفِ باستعادة مدينة أجداده بل أعاد توحيد الدولة التي سقطت مرتين ويعلن قيامها وتوحيدها على يديه للمرة الثالثة. مسيرة عظيمة طوت الجبال والصحاري ووحّدت الشعوب والقبائل، لتفضي إلى التوحيد بعد الشتات، والأمن بعد الخوف، والرخاء بعد الفقر؛ لنجد أنفسنا نقف عاجزين عن وصف تلك الهمة والشجاعة التي وحّد بها الملك عبدالعزيز هذه الأرض الشاسعة، وعن تصور الصعاب التي واجهها ورفاقه حتى إعلان توحيد المملكة العربية السعودية. من المؤكد أن هذا الإرث العظيم وهذه الوحدة الفريدة ما كانت لتستمر وسط محيطنا الجغرافي والسياسي المضطرب لولا إدراك الملوك من أبناء الملك عبدالعزيز والشعب السعودي لحجم المسؤولية التي ورثوها عن الآباء المؤسسين، حيث نعيش اليوم ملحمة جديدة من البناء والنمو يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-. المملكة اليوم تعيش ملحمة تاريخية ومرحلة جديدة من تاريخها تقوم على استغلال الطاقات والإمكانيات لصناعة واقع جديد قوامه التنوع واقتناص الفرص والشراكة مع العالم؛ حيث تزخر بلادي بكل مقومات القيادة والتأثير العالمية على كافة الأصعدة، وهي اليوم تملك رؤية جديدة بدأت تؤتي ثمارها وتسير بخطى ثابتة نحو تحقيق مستهدفاتها التي تتجاوز المحيط الإقليمي إلى الفضاء الدولي الذي تدرك المملكة واجباتها السياسية والاقتصادية تجاهه. كل عام ووطني بألف خير؛ تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله-.