في مقابلة له مع تركي الدخيل في برنامج «إضاءات» قبل سنوات، لخص السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان السياسة السعودية في بضع كلمات واضحة ومباشرة، حيث قال: «المملكة العربية السعودية دولة تعمل في سبيل الخير وليس الشر. دولة معتدلة، وكلمتها صادقة. إذا وعدنا وفّينا، وإذا قلنا لا يعني لا، ولسنا مثل غيرنا يقول نعم ولا في نفس الوقت». هذا الوصف من الأمير لفلسفة المملكة السياسية في تعاطيها مع الأحداث، لا يقتصر فقط على السياسة، بل هو أيضاً تلخيص لسمات الشخصية السعودية في كل المجالات، فهي عقلانية وواقعية ورزينة، لا تبحث عن بطولات متوهمة، ولا تحتفي بالشعبوية بحثاً عن مجد متوهم. فالاحتفاء الذي حظي به مشهد ختام مواجهة تهاني القحطاني وراز هيرشكو في أوساط كثير من المؤسسات الصحفية الأجنبية، لاسيما تلك التي طالما ناصبت المملكة العداء، يؤكد هذه العقلانية السعودية المتفردة من نوعها؛ فهي دولة لم تطبّع علاقاتها مع إسرائيل، وهي أيضاً في قيادة وطليعة الدول التي تدين ممارسات إسرائيل، غير أنها -في الوقت نفسه- تعالت على توظيف الموضوع الرياضي سياسياً لتحقيق مكتسبات لا قيمة لها سوى لدى تلك الدول فقيرة القيمة والحضور؛ تلك الدول التي ما تنفك عن البحث عن مثل هذه المفرقعات لصناعة دور لم يتوفر لها في ميادينه الحقيقية. ورغم التوحش في الحملات التي حاولت تشويشها والضغط عليها، صمدت البطلة تهاني القحطاني في تصرف حضاري ومتقدم حتى أكثر عن بعض من نراهم مفكرين ومثقفين من الذين سلقوها بألسنةٍ حِداد، لتسطر بذلك أهم معنى نبيل تقوم عليه المنافسات الرياضية، وهو تعزيز العلاقات الإنسانية والتذكير بأهمية تجاوز الاختلافات بين البشر عبر الرياضة. غير أن أكثر ما يثير السخرية هنا، هو أن السعودية لم تطبّع، ولم تكن يوماً حليفاً لإسرائيل، ثم يأتي من يلومها من أولئك الذين ينامون ويستيقظون في حضن إسرائيل سياسياً واقتصادياً، بل وتآمراً على مصالح العرب، ليتحدثوا عن رمزية هذه الفعاليات الرياضية في إضفاء الشرعية على إسرائيل! ومثل تلك الدول، ينبري في كل شاردة وواردة خليطٌ غريبٌ لا يجمعه سوى العداء للسعودية، وهو اليسار والإخوان، ليثلّبوا على السعودية كل ما تقوم به، مدفوعين في ذلك بحقد وكمد وخوف من أن تنطلق السعودية في مسيرتها التنموية، لأنهم يريدونها أن تبقى كما يتمنون ويريدون أن يروها؛ دولة متشددة دينياً، منغلقة اجتماعياً، رعوية اقتصادياً، متخلفة سياسياً. لذا وفي ضوء ما تمخضت عنه تداعيات ردود الفعل على موضوع تهاني القحطاني، انكشف للجميع أن السعودية تعرف الميادين التي تسلّ سيفَها فيها، وتعرف -أيضاً- كيف تترك للمتسولين على موائد المجد، تلك الميادين الصغيرة التي لا يعبأ بها أحد.