هل سأل أحد نفسه: كيف ستنتهي نازلة فايروس كورونا الجديد؟ كثيرون لم يفعلوا. لأنهم ببساطة لا يجدون متسعاً ليفيقوا من تدفق الأخبار المتضاربة، والأرقام المخيفة، والإجراءات المعقدة في كل بلد. وكثيرون يعتقدون أن هرولة الدول نحو التطعيم بلقاحات كوفيد-19 ستأتي بالحل، عاجلاً أو آجلاً. ويدخل في هذه الفئة من استطاعوا تقبل تنظير العلماء في شأن تحقق «مناعة القطيع»، التي تعني تكوّن مناعة لدى السكان تمنع الفايروس من إفشاء عدواه. وهناك من أيقنوا وهم يرون الإنسانية تتخبط، من خيبة إلى خيبة، في الحرب ضد كوفيد-19 أن الحل الذي قرر رئيس وزراء بريطانيا أن يعتنقه، ويفرض على شعبه اعتناقه، وهو التيقن من أن كوفيد-19 ليس ذاهباً، ولن يتلاشى بتاتاً، وأن الصواب والعقل يتمثلان في ضرورة التعايش معه، هو الحل الأمثل. ولأن المعركة ضد الوباء أنهكت جميع قطاعات المجتمع البريطاني لا يبدو أن هناك من عادت فيه قوة ليتحدى جونسون، فيدحض حجته. لكن الأرقام وحدها هي التي تنازعه. فعلى الصعيد العالمي، لا توجد أي دلائل على أن الفايروس سيقبل الهزيمة، أو أنه ينوي الذهاب من تلقاء نفسه بوجه حملات التطعيم المتعاظمة في أرجاء المعمورة. فقد سجل العالم نحو نصف مليون حالة جديدة خلال الساعات ال24 الماضية، ليرتفع العدد التراكمي للمصابين منذ بدء نازلة كورونا في 2020 إلى 187.28 مليون إصابة. وتواصل تزايد الوفيات الناجمة عن الوباء ليصل أمس إلى 4.04 مليون وفاة. واستمر تسجيل الأرقام السيئة في الدول الأكثر تضرراً، وهي دول موسرة وقوية، مثلما تواصل تسجيل أرقام سيئة في الدول الفقيرة. ففي بريطانيا، حيث يعكف جونسون على وضع اللمسات الأخيرة على قرارات إلغاء القيود الصحية الوقائية في 19 يوليو الجاري؛ سجلت وزارة الصحة 32.367 إصابة جديدة خلال الساعات ال24 الماضية، وهو اليوم الرابع على التوالي الذي تسجل فيه أكثر من 30 ألف إصابة جديدة. وقفز عدد المنومين بكوفيد-19 الليل قبل الماضي إلى 563 شخصاً، وهي أكبر زيادة يومية منذ مطلع مارس الماضي. وقالت رئيسة أكاديمة كليات الطب الملكية البريطانية البروفيسور هيلين جاين ستوكس إنه سيكون أمراً خطيراً أن يتم التخلي عن التدابير الاحترازية في «يوم الحرية»، بعد أقل من أسبوع. وناشدت الجمهور البريطاني أن يكون مدركاً أن وباء كورونا لم ينته بعد، ولا بد للناس من اتخاذ تدابير تحوطية حين يتم رفع القيود الصحية. لكن علماء اللجنة العلمية التي تستشيرها الحكومية قللوا أمس من شأن تلك المخاوف، وقالوا إنهم يتوقعون أن يصل عدد الإصابات الجديدة إلى المنحنى، ثم يبدأ الهبوط خلال أسابيع، تبعاً للتوسع في التطعيم، الذي أكدوا أنه سيحقق ما سموه «مناعة طبيعية». وهو اسم التدليل -كما يبدو- ل«مناعة القطيع»، التي ظلت حكومة جونسون تنكر على الدوام أنها كانت سياستها في أي يوم منذ اندلاع نازلة كورونا. وليست بريطانيا وحدها بمثل هذه التعاسة؛ فقد سجلت كل من إسبانيا، والبرتغال ارتفاعاً كبيراً في الإصابات الجديدة بسلالة دلتا المتحورة، التي ظهرت أول الأمر في الهند. وقال وزير النقل البريطاني غرانت شابس، الليل قبل الماضي إنه سيكون بمستطاع البريطانيين الحاصلين على جرعتي اللقاح السفر إلى إسبانيا والبرتغال اعتباراً من 19 الجاري، من دون حاجة إلى عزل صحي لدى عودتهم. وذلك على رغم أن الإصابات في إسبانيا ارتفعت الأسبوع الماضي إلى 315.7 من بين كل 100 ألف شخص، من 157.1 من كل 100 ألف شخص خلال الفترة من 2 إلى 9 الجاري. وارتفع عدد الحالات الجديدة في البرتغال هذا الأسبوع بنسبة 39% إلى 252 إصابة من بين كل 100 ألف شخص. بيد أن ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا تشهد استقراراً طيباً في أزمتها الصحية، من دون ارتفاعات مثيرة في الحالات الجديدة. وأعلنت أستراليا أمس (الأحد) تسجيل 77 إصابة جديدة بالسلالة الهندية في مدينة سيدني، كبرى مدنها من حيثُ عددُ السكان. وقررت السلطات فرض منع التجول ليلاً، ومنع تلاقي أكثر من 5 أشخاص، وتقليص الخدمات العامة للحد الأدنى، وتقصير ساعات عمل المطاعم ومجمعات التسوق لمدة أسبوعين. وقالت رئيسة وزراء مقاطعة نيو ساوث ويلز غلاديس بيريجكليان أمس إنها تتوقع تسجيل 100 إصابة يومياً خلال الأيام القادمة. وحذرت من أنه ما لم تمكن السيطرة على التفشي الراهن فستظل سيدني قيد الإغلاق إلى ما بعد 16 الجاري. وفي تايلند، أعلنت الحكومة تسجيل 5539 إصابة جديدة و86 وفاة أمس الأحد. وفي الولاياتالمتحدة (34.72 مليون إصابة، و622.821 وفاة)؛ تدهورت سرعة حملة التطعيم إلى أدنى مستوى لها منذ أداء الرئيس جو بايدن القسم في يناير الماضي. وسجلت الولاياتالمتحدة أمس الأول (السبت) إعطاء 599 ألف جرعة لقاح، وهو المستوى الأدنى منذ يناير 2021، في حين كان مستوى التطعيم بلغ 4 ملايين جرعة يومياً في منتصف أبريل الماضي. وكان بايدن تعهد بتطعيم 70% من البالغين بحلول 4 الجاري. لكن ذلك لم يتحقق. وتبلغ النسبة حالياً 67.5% بحسب أرقام المراكز الأمريكية للحد من الأمراض ومكافحتها.