شهد العالم في الآونة الأخيرة العديد من المتغيرات المتسارعة التي غيرت مفهوم وأسلوب حياة الناس لم تقتصر على التطبيقات والتسوق الإلكتروني وغيرها من الخدمات التي سهلت وسرعت وتيرة وجودة الخدمات المقدمة، وأصبح التنافس حميماً بين دول العالم لاستخدام أساليب ابتكارية وإبداعية تساهم في تحسين جودة حياة الناس وتغيير نمط الحياة العادي إلى نمط حياة إبداعي وفي نفس الوقت يساهم في توفير الطاقة والمحافظة على البيئة وخفض التكاليف واستقطاب الكفاءات المتميزة والتوازن في العديد من الأمور المتعلقة في عجلة الاقتصاد بوجه عام. وقد بادرت العديد من الشركات الأمريكية العملاقة منذ سنوات بتبني برنامج يقدم لجميع العاملين في هذه الشركات كل أسبوعين يوم راحة وتعويض هذا اليوم بتمديد ساعات العمل إلى 9 ساعات خلال الأسبوع ما عدا يوم الجمعة يبقى 8 ساعات. وفي خطوة مفاجئة للكثيرين تستعد الحكومة الإسبانية لتجربة مقترح أسبوع عمل مدته أربعة أيام فقط، بعدما كان الحزب اليساري الإسباني الصغير Más País قد أعلن مطلع هذا العام أن الحكومة وافقت على اقتراحه لتجربة الفكرة، حيث سيعمل الموظفون 32 ساعة موزعة على أربعة أيام، دون أن يؤثر الإجراء على انخفاض أجورهم، والذي من المقرر أن تبدأ تجربته في الخريف المقبل. ومن المتوقع أن تشمل هذه التجربة ما يصل إلى 200 شركة إسبانية، وحوالي ما بين 3000 و6000 موظف. ويرى بعض المحللين بأن هذه التجربة سوف ترفع من الإنتاجية وتقلل من الغيابات عن الدوام، وستعزز من جودة بيئة العمل والعلاقات العائلية للموظفين والسلام الداخلي لذواتهم. حيث ترى التجربة الإسبانية أن الأسبوع الذي يستمر أربعة أيام يعزز مبدأ «الإنتاجية» في العمل، حيث إن «الموظفين الذين يستفيدون من ثلاثة أيام من الراحة سوف يكونون أقل تعباً وإجهاداً وبالتالي أكثر كفاءة». وفي تجارب سابقة يمكن التذكير بها تم اعتماد أسبوع عمل أقصر مدته 35 ساعة في فرنسا في العام 2000، قضى الناس وقت فراغهم المكتشف حديثاً في أنشطة ذات تأثيرات بيئية منخفضة. وحسب المحللين الذين رصدوا الحالة الفرنسية فإن أغلب الموظفين لم يقوموا بشراء المزيد من السلع أو القيام برحلات تزيد من غازات الكربون، وبدلاً من ذلك كانوا يقضون الوقت مع العائلة أو يستمتعون بزيارة الأماكن المحلية العامة. كما طرحت هذه الفكرة من قبل سانا مارين، وهي سياسية فنلندية كانت رئيسة وزراء فنلندا منذ ديسمبر 2019، وروجت سابقاً لتقليص مقدار الوقت الذي يعمل فيه الناس. طرحت مارين فكرة قيام الشركات بتبني يوم مرن مدته ست ساعات وأربعة أيام عمل في الأسبوع في حلقة نقاش قبل أن تصبح رئيسة للوزراء. قالت مارين: «أعتقد أن الناس يستحقون قضاء المزيد من الوقت مع عائلاتهم وأحبائهم وهواياتهم وجوانب أخرى من الحياة، مثل الثقافة. قد تكون هذه هي الخطوة التالية بالنسبة لنا في الحياة العملية». كما أننا سوف نستذكر التجربة التي قدمتها رئيسة وزراء نيوزيلندا، وقالت إنها «ستعزز الاقتصاد» حيث «يمكن للموظفين الذين لديهم يوم إجازة إضافي الذهاب في عطلات نهاية الأسبوع أو ممارسة الرياضة أو زيارة الأماكن الثقافية، مما يعزز السياحة وقطاع الترفيه» على حد ما تقول. الفكرة قيد النظر في نيوزيلندا، ولكن لم يتم الانتهاء من تنفيذ مقترح بعد. وبعيداً عن تجارب الدول سوف نجد أن الشركات أكثر جرأة في خوض الأفكار الجديدة، فتجربة مايكروسوفت في اليابان في 2019 لأسبوع العمل لمدة أربعة أيام، شهدت الشركة انخفاضاً في تكاليف الكهرباء بما يقرب من الربع وأولئك الذين لم يعملوا أيام الجمعة وفروا 60 في المئة من الأوراق المطبوعة. ونتيجة لذلك من المتوقع أن يشهد قطاع السياحة بوجه عام والفنادق والمطاعم والمقاهي والطيران نمواً اقتصادياً كبيراً مما يتطلب استشراف المستقبل والتخطيط والاستعداد للمرحلة المقبلة في حالة تطبيق هذه الفكرة على نطاق واسع في العالم. وقد بادرت المملكة للتخطيط لهذه المرحلة بتبني وتنفيذ العديد من المشاريع العملاقة الموجهة لهذا القطاع الهام ومنها مشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر ومشروع القدية وغيرها من المشاريع الأخرى التي تركز في الدرجة الأولى على السياحة والترفيه وجودة الحياة. وأخيراً هل تبادر شركات القطاع الخاص لدينا بتطبيق هذا الأسلوب والذي سبقتنا إليه العديد من الشركات العالمية؟ وهل تبادر وزارة الموارد البشرية بتنظيم هذا الأسلوب خاصة وأنها كانت سباقة في تقديم العديد من المبادرات الرائعة لتنظيم وخلق المرونة في سوق العمل ومنها العمل عن بعد؟