ما شهدته المملكة في السنوات الأخيرة هو أضخم عملية استعداد للمستقبل، وإعادة توجيه للقاطرة السعودية لتصبح أكثر مرونة وسرعة وقدرة على مواجهة مختلف التحديات. تعريف جديد للقوة واستثمار لكل المكونات وبناء اقتصاد جديد، مشروعات جديدة تعتمد على مقدرات هذه الأرض وثرواتها التي لا حدود لها والتي ظلت غائبة طيلة أزمنة الاعتماد على النفط مصدراً واحداً. أعدنا تعريف علاقتنا بالعالم،؛ ثقافياً وحضارياً وسياسياً واستثمرنا المحتوى الثقافي والإنساني لدينا ليتفاعل مع العالم ويصبح جزءاً مؤثراً فيه. كانت لدينا الكثير من الدوائر والملفات التي كان من الصعب للغاية التفكير في إعادة توجيهها بالكامل، وليس مجرد إصلاحها. لأن ما يحدث هو تحول في مفهوم الدولة فقد استلزم ذلك أن يكون ثمة تغيير واسع في مفهوم وتركيبة مختلف الأجهزة والمؤسسات. تحول التعليم من كونه إشكالية ليصبح قائداً للتحول والمستقبل، ورغم التحدي القاسي الذي فرضته أزمة كورونا على قطاع التعليم إلا أنه واصل خطواته نحو إعادة بناء مفهومه وأهدافه ومنطلقاته أيضاً. بناء الحياة المدنية كان مشروعاً محورياً طيلة الأعوام الماضية، وقد تمت صياغة مختلف الأجهزة والتنظيمات المؤثرة في الحياة العامة لتصبح أكثر مدنية وجودة وبما يعزز ويعكس قيم الدولة الوطنية الحديثة. ومثلت الأعوام الماضية طفرة نوعية في القرارات التي أعادت بناء للعلاقة بين الناس وحياتهم. ورسخت من الحريات الفردية ومن مبدأ الخيارات في الحياة اليومية وعززت مبدأ التنوع والاختلاف، وهذه أبرز وأهم سمات الحياة المدنية. الأسبوع الماضي شهد أبرز وأهم القرارات والإعلانات الحكومية؛ تطوير منظومة التشريعات الذي تضمن عدة مشروعات تمثلت في: مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ومشروع نظام الإثبات. لقد ظلت المؤسسات العدلية الأكثر حاجة لإعادة توجيهها لتواكب هذا الإيقاع النوعي في الأنظمة والتشريعات وفي الحياة العامة، عبر الإعلاء من شأن القوانين والأنظمة وبناء منظومات جديدة في الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية وترسخ مبادئ العدالة والشفافية وتحمي حقوق الإنسان والتنوع وتكون الذراع الداعم الذي يسهم في تحقيق التنمية والمستقبل. لقد عكست تصريحات ولي العهد في إعلان تطوير منظومة التشريعات محورية وأهمية هذا المشروع وما الآثار المترتبة على غياب تلك التشريعات، وكيف يمتد تأثيرها ليشمل كل مناحي الحياة. (عدم وجود هذه التشريعات أدّى إلى تباينٍ في الأحكام وعدم وضوح في القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات، ما أدّى لطول أمد القاضي الذي لا يستند إلى نصوص نظامية). بهذا المستوى من المواجهة تحدث ولي العهد وبهذه الأهمية سيكون لهذه التنظيمات دور نوعي في كل نواحي الحياة. إن عدم وضوح القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات ينعكس أولاً على أداء المؤسسات العدلية وينعكس بالتالي على أدائها وقيمها وأهدافها، وهو ما يمثل إرباكاً حقيقياً لكل معادلات التنمية والبناء والمستقبل. رغم مختلف التحديات والمواجهات التي يمر بها العالم، إلا أننا نعيش أكثر المراحل أهمية وحيوية في التاريخ السعودي، التي تشهد حالة بناء واقعي وحقيقي للمؤسسات الحيوية ومواجهة لكل العقبات والصعوبات المحتملة وتقدماً يومياً نحو حياة مدنية تحتفي بالإنسان والمدينة والحريات والإنتاج، وتجعل من التنمية والبناء والشراكة مع العالم هدفاً ومحوراً. كاتب سعودي yahyaalameer@