من «البحر» أخذ «ابن الشاطئ» كل شيء، بهوى ولوعة ولهفة.. ففي «حارة البحر»؛ وُلِد وتربى، وأيْنَعَ وأيْفَعَ.. ومن والده البحَّار الراحل عاشق «رائحة البحر»؛ حمل ذكريات «سنابيك البحر» العائمة.. وعلى أمتار من «بحر الإسكندرية»؛ تعلَّم التطبيب، وكوَّن بداياته الكتابية.. وداخل مستشفى جدة العام وعيادته الخاصة المجاورين «بحر جُدَّة»؛ امتهن طب الأسنان وغادرهما صوت «الأدب».. وبذاكرة «شط البحر»؛ دوَّنت يمناه عبارات مقالاته ومؤلفاته.. إنه الطبيب الأديب الدكتور عبدالله مناع. بين كفاف الكدح وفقد الأب طفلاً؛ تحفيز على الاعتلاء بمقولة «لو كان اليُتُم رجلاً لقبَّلت جبينه».. وحين اعتلى الحالة المتفردة من الحضور المجتمعي؛ سيطرت آمال الناس على مشاعره وأفكاره، وأفراحه وأتراحه.. وعندما أعياه التعب والإعياء يوماً من طول المسافات التي قطعها؛ استمد من محبيه بوصلة همَّة وتأشيرة قمَّة. وحين يفتخر بتربيته على أيدي نساء؛ فلأن طفولته كانت بين أمه وجدته وخالته وعمته.. وفي «كُتَّاب» جدته؛ عيَّنته معلماً بمكافأة نصف ريال.. وحين أسعد والدته برحلة إلى لندن؛ شعر بأسى على جدته وعمته بوفاتهما دون مشاهدة إنجازاته.. ومن الفقيهة حسينة باعشن؛ تعلَّم «دراما» سرد الحكايات وقصص التاريخ والأساطير. عند عوالم الطب ومناخات الأدب في مطلع الشبيبة؛ بدأت مسيرة نصف قرن لم تخل من صراع مِبْرد ضِرس وريشة قلم، كاتبٌ أولاً وطبيبٌ ثانياً.. وفي رحلة تعبير عن الذات على رمال الكتابة؛ فتنة مِحْبرة وغرام قرطاس، لم يجد لها جواباً إلا بواعث نفسية طاغية عبَّرت عن أحلام غامضة. ولما كتب أمنياته في عيادات «طب الأسنان»، واحتفى بالكلمة الهادئة في شوارع «صاحبة الجلالة»؛ اختار مداد الفكر ومشارب المعرفة وقِطع الأدب.. وحين وجد نفسه في غَوْر الكتابة والصحافة؛ تطبَّع بهما فهجر «الطب» وودعه.. ومن خصائص لغة وأسلوب كتابي خاص؛ تتردد نبرات صوته في كلماته المكتوبة وكأن القارئ يسمعها. في أضواء كاشفة لفكر متشح «الرزانة» متسع «الشاعرية»؛ كتابات ممددة بالإنسانية ومشبعة بالمجتمعية.. وحين وضع «الأدب» في قوالب متجلية وصور متخيلة؛ امتطى قلمه بخصوبة معنى وانشغال بالثمين.. وعند يدين أجادتا منذ الصِغر حياكة الثياب وكيها؛ سِحرُ أنامل جعلت من شهادة الأثر فرادة نبرة، ومن مشاهد التاريخ بهاء حكاية.