بتواضع ودماثة خلق، صعد المخرج السعودي عبد العزيز الشلاحي على خشبة مسرح حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثانية، ليتسلم جائزة لجنة التحكيم الخاصة التي تحمل اسم (صلاح أبوسيف)، عن فيلمه الروائي الثاني «حد الطار»، الذي حصل بطله أيضاً فيصل الدوخي على جائزة أفضل ممثل. من شاهد الفيلم الروائي الطويل الأول للشلاحي (مسافة صفر) يلمس أنه أمام فكر جديد في طريقة الصناعة تجاه الفيلم السعودي، هو يدرك أن على كاهله قصصاً ورؤى يريد أن ينقلها، بخاصة أن تلك الحكايات لا يعرف متابعو السينما شيئاً عنها لأنها تأتي من بلاد لم تكن السينما جزءاً من يومياتها، وباتت اليوم بعد قرارات الانفتاح الثقافي تتسابق نحو التواجد ضمن برمجة المسابقات في كبرى المهرجانات، لذلك لم يكن مفاجئاً أن يحضر فيلم حد الطار وينافس منافسة ليست سهلة بين أفلام عربية قوية. هذا الفيلم يدخلك إلى التضاد غاية الوصول إلى تلاق، و لا توجد منطقة آمنة لتحقيق ذلك إلا من خلال تتبع علاقة حب، تدرك بعدها أنها الحل لكل المعضلات حتى لو كانت من طرف واحد، وهذا التفصيل تكتشفه لاحقاً، علاقة بين دايل (أدى دوره الممثل فيصل الدوخي) ابن عائلة السياف، وهم يتوارثون هذه المهنة المرتبطة بتطبيع الحد الإسلامي، وبين شامة التي أدت دورها (أضواء فهد) ابنة الدقاقة التي تغني وتدق على الطار (نوع من أنواع الطبل)، والتي أدت دورها بحرفية الممثلة راوية أحمد. هذه العلاقة التي تبنى بالسر، واللقاء يكون ضمن مخطط مسبق فيه صعود ونزول من على أسطح البيوت المتراصة، ونافذة تطل منها شامة وحوار يدور بين العاشق الولهان دايل، عملياً هو الذي ينقلك إلى كل مشهد تباعاً، ويضع يده على واقع عاشه الشعب السعودي لسنين طويلة، يظهر فيها معنى الفرح المسروق، والخوف من كارهي هذا الفرح، بمشاهد لا تمر مروراً عابراً حتى ولو كان بطلقات خاطفة. عملية إدارة الضوء أيضاً كان لها أبعادها، فأغلب المشاهد تحدث في العتمة، وإذا كان ثمة نور قادم فهو أيضاً تم توظيفه بما يخدم المعنى. التكامل بين رؤية المخرج الشلاحي والمؤلف مفرج المجفل تستطيع أن ترصدها، في تفصيل السيف والطبل، السيف الذي يجز الرقاب وفي نفس الوقت يكون هو الأداة الرئيسية لرقص شعبي على صوت طرق الطار، هو عملياً مربط الفرس الذي من خلاله استطاعا أن ينقلا حكاية سعودية خالصة، لجمهور لا يعرف الكثير عن الحياة اليومية للشعب السعودي. فيلم ناضج، يؤكد على خطوات مخرج واثق بخطواته، إدارته لكل عناصر تشكل الفيلم كانت واضحة، التركيز على التقاط المشاعر المتنوعة في كل شخصية وقفت أمامه، هي جزء أساسي في عملية نسج الأدوار، المحصلة التي وصل إليها الفيلم أو بمعنى أدق الحل المرتبط بمعنى الحب كان مخرجاً ذكياً، والتضاد الذي خلقه في بداية الفيلم بين حد السيف وقرع الطار، وجد منفذاً لكي يعيش الجميع بأمان. واستحق الشلاحي ما استحقه من تكريم، واستحق الدوخي أفضل ممثل، فمن سيرى هذا الأداء سيدرك أنه لم يكن منفصلاً بتأثيره على باقي الممثلين من حوله.