يصاب الإنسان بالحزن عند وفاة شخص عزيز عليه، وربما تمتد مشاعر الحزن طويلاً، ويمكن أن تتكرر عند تذكر فقده، ومع تلك المواقف في رحلة الحياة إلا أننا نستمر في التزاماتنا نحو من نحب. ورغم أن الموت هو الحقيقة المطلقة في الحياة ومصير كل حي، إلا أنه أمر في غاية الصعوبة على المقربين من ذلك الشخص العزيز حين وفاته، وتبقى مشاعر الحزن والفقد موجودة داخل النفس البشرية حسب قرب ذلك المتوفى. وحين فقدت الصديق العزيز السفير الدكتور مانع الخامسي، رحمه الله، كانت الصدمة مؤلمة لكل من عرف هذا الدبلوماسي الراقي الخلوق عن قرب. كان رحمه الله رجلاً عالي المكانة في قلوب محبيه صالحاً متواضعاً، عرفه الناس برفعة أخلاقه، أفنى حياته في خدمة دينه ثم مليكه ووطنه. لن أدعي أني كنت أكثر الناس حظاً بمعرفته عن قرب، أو تمتعت بنعمة أولئك الذين رافقوه وامتدت علاقتهم لفصول ومراحل طويلة من حياة الراحل. لقد عرفت الدكتور مانع قبل عدة سنوات حين تجاور مكتبانا في ديوان وزارة الخارجية. كان رحمه الله سيد الهدوء والرصانة، ليس له في اللغو صوت، ولا في حلبات الخصام حضور، كان شخصاً أجمع الناس على حبه واحترامه، كان الصديق القريب من الجميع، يشهد له القاصي قبل الداني أنه منبع للخير نابذٌ للشر، كان رحمه الله مثالاً للمؤمن الحق مقتدياً بِخُلُقِ سيد الخَلق. وبالرغم من أن فترة عملنا سوياً لم تدم طويلاً بحكم طبيعة المهام الدبلوماسية التي تستلزم شد الرحال بين الحين والآخر، إلا أن هذه الفترة كانت غنية بالدروس الإنسانية التي نتعلمها من صديقنا الراحل، ونحن نراقب كيف يدير يومه وعلاقاته مع من حوله، كان ذا بشاشة ندر أن يضاهيه فيها أحد، كانت روحه تسبق محياه بالود والمحبة إلى قلوب الناس، يحتوي عابر السبيل بالتحية الدافئة والترحيب الصادق، كان رحمه الله ذا قلب كبير ما ضاق على أحد، احتضن بطيب المعشر القريب والبعيد، لم يكن رحمه الله شخصاً عادياً يمر في حياتك «مرور الكرام» دون أن يترك بصمة. إننا شهود الله في أرضه، وأنا نشهد أن مانع الخامسي كان طيب الذكر، مثال المؤمن الحق، ومنبعاً للخير لمن حوله. اللهم ارحمه واغفر له، وأسكنه فسيح جناتك، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.