مرت بي في هذه الأيام تجربة هزتني من الأعماق، بوصول خبر وفاة شخص عزيز من أبناء عمومتي فجأة، وهو الأخ ياسر عبدالله باحويرث رحمه الله، نتيجة أزمة قلبية، وقد كان أصغر مني سنا، وعندما استغربت رد فعلي عزوته للفجأة، أو ربما لأن الفقيد كان مقربا مني، أو لأنه كان شخصية مرحة، واجتماعاتي به في مختلف مراحل العمر كانت دائماً لقاءات على السعادة والفرح، وعلى السخرية من الصعوبات والتحديات، فقد كان من الشخصيات التي تتسم بالبساطة، وخفة الظل، والعديد من الميزات الجميلة الأخرى. ولكن حقيقة الأمر عندما بحثت في داخلي وجدت أن دافع الرهبة -بالإضافة لألمي من فقد هذا الأخ والصديق- هو جرس الإنذار الذي دوَّى داخلي، معلناً أنه في أية لحظة قد يحدث لي ما حدث له، ثم بدأت في طرح الأسئلة: هل أنا مستعد لهذا الانتقال وهذه المواجهة؟ وماذا أعددت لها؟ وشرعت في حساب جرد لحياتي، هل قمت بما يجب أن أقوم به؟ هل أجَّلت؟ هل سوَّفت؟ ما هي الرسالة التي كنت أؤديها؟ أسئلة كثيرة خلقت صراعا بداخلي، فوجدت نفسي مقصراً في كل شيء، وليس عندي ما أقدمه.. ففزعت إلى الله سبحانه وتعالى بالخوف والرجاء والتوجه إلى هذا الرب الكريم الذي عفوه أوسع من ذنوبي، ورحمته أرجى عندي من عملي -رغم قصوره- الذي لم أقصد به إلا وجهه، مستجلبا به رحمته وعفوه، وقد وهبته من ظلمني، ورجوته أن يستوهبني ممن ظلمت، وأن يغفر لي ما كان له علي من حقوق، ويتحمل عني ما كان لخلقه. وحمدت الله سبحانه وتعالي أن أرشدني في لحظات الوجل والخوف للجوء إليه، والتحقق بالعبودية له، لأقدم بين يديه حبه وحب رسوله، وأن تكون هذه المحبة شافعة لنا ليتغمدنا برحمته ومغفرته لا بأعمالنا، فهذا هو رجائي ودعائي وأملي انطلاقا من قوله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا). أخيراً.. اللهم إني أسألك أن ترحم أخي ياسر رحمة واسعة، وأن تسكنه فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن تخلفه خيرا في أهله وولده، وأن تنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين.