يقف التستُّر التجاري أو ما يعرف ب«اقتصاد الظل» عقبة أمام تنمية اقتصادنا الوطني وأمنه، فخ ينصبه الانتهازيون لتحقيق مصالحهم الخاصة دون المبالاة بالعواقب الوخيمة المترتبة عليه. وتبذل حكومة المملكة العربية السعودية جهوداً حثيثة للتغلب على ظاهرة التستر التجاري، ابتداءً من الحملات التوعوية والتعريف بخطر التستر، ووصولاً إلى إلقاء القبض على المتسترين وسن العقوبات وتغليظها، للتخفيف من هذه الظاهرة، والحفاظ على أمن الوطن، وحماية المستهلك، والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني. وللعمل على تحقيق تطلعات رؤية 2030 الطموحة بالتعاون والشراكة في تحمل المسؤولية، والوصول بالاقتصاد السعودي ليكون واحداً من أكبر اقتصادات العالم، ولتوجيه دفة السوق التجاري إلى طريقها الصحيح؛ كان لا بد من مواجهة المشاكل التي تتربص بسوق العمل في المملكة، والبحث عن مواقع الخلل والقضاء عليها بحزم وصرامة، وتنقية سوق العمل السعودي من الشوائب التي تعكِّر صفوه، وتحول دون تحقيق الازدهار الاقتصادي. وقد كثفت وزارة التجارة جهودها بسن الأنظمة، وتشديد الجولات التفتيشية وتكثيفها، والعمل على نشر الوعي والمعرفة بخطر التستر التجاري من خلال حملات توعوية موجهة للمواطنين والمقيمين، وفي آخر ما وصلت إليه جهود وزارة التجارة صدور نظام مكافحة التستر الجديد، عقب إعلان المقام السامي إنشاء لجنة وزارية تتولَّى الإشراف على البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، لمكافحة التستر والقضاء عليه. ولتعزيز الممكِّنات الاقتصادية، أطلق برنامج التحول الوطني بقيادة وزارة التجارة عدداً من المبادرات لمكافحة التستر التجاري، من خلال تطوير قطاع التجزئة والمساهمة في مكافحة التستر في متاجر التجزئة، عبر تنفيذ برامج ومبادرات تهدف إلى الحد من انتشار التستر ومكافحة أضراره، كما أطلق البرنامج مبادرة معالجة التستر التجاري، التي تهدف إلى مكافحة التستر التجاري في مختلف القطاعات، بعد دراسة المسببات ومحاولة القضاء عليها من خلال استحداث حلول لمتابعة التعاملات المالية، وسن قوانين وأنظمة تساهم في منع التستر قبل حدوثه. وبحلول عام 2019، نتج عن هذه المبادرات عدد من المنجزات التي تصب في محاربة التستر التجاري، من أبرزها إطلاق (البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري) بمشاركة 11 جهة حكومية، وتم من خلالها إجراء أكثر من 440 ألف جولة تفتيشية، وتنفيذ العقوبات في حق مخالفي نظام مكافحة التستر التجاري بالسجن أو بغرامة مالية أو بكليهما، ما أسهم في إحالة 1.378 حالة تستر تجاري خلال عام من إطلاق البرنامج، وإلزام المتاجر ومنافذ البيع في جميع القطاعات بالدفع الإلكتروني تدريجياً، ورفع الوعي بممارسات ومخاطر التستر التجاري. وللحد من عمليات التستر التجاري، وسعياً لتمكين المواطنين بالفرص المناسبة، أصدر التحول الوطني بقيادة وزارة التجارة نظام الامتياز التجاري، الذي يتيح لمانح الامتياز فرصة منح صاحب الامتياز الحق في ممارسة الأعمال، بما في ذلك استخدام علامة المانح التجارية وبيع السلع وتقديم الخدمات، إضافة إلى تقديم الخبرة التقنية والمعرفة الفنية مقابل رسوم، ويهدف النظام إلى: تشجيع أنشطة الامتياز التجاري ووضع أسس مبدأ الشفافية، وتوفير الحماية اللازمة لصاحب ومانح الامتياز، وضمان الإفصاح عن الحقوق والواجبات والمخاطر. ويتمثل دور نظام الامتياز التجاري في الحد من عمليات التستر التجاري في تمكين المواطنين من الدخول في سوق العمل بشكل احترافي، والحصول على الخبرات والإجراءات والعلامة التجارية التي تساعد على منافسة المتسترين وتكتلات العمالة، وفتح أفق جديد من فرص العمل يقلل من البطالة، التي هي أحد مغذيات التستر التجاري. توحيد الصفوف أدركت وزارة التجارة أن التغلب على التستر التجاري يتطلب توحيد الصفوف أمامه والمشاركة المجتمعية مع كل من يهمه أمر هذه البلاد من المواطنين والمقيمين، ولهذا تحث وزارة التجارة عموم المواطنين والمقيمين بكافة مناطق المملكة إلى الابلاغ عن حالات التستر التجاري، عبر مركز البلاغات في الوزارة على الرقم (1900)، أو عبر تطبيق «بلاغ تجاري»، أو عن طريق الموقع الإلكتروني للوزارة. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة التجارة تمنح مكافأة مالية للمبلغين عن جريمة التستر التجاري تصل إلى 30% من إجمالي الغرامة المحكوم بها بعد تحصيلها. كما شدَّدت الوزارة على العقوبات بتغريم المدانين بغرامة مالية قد تصل إلى خمسة ملايين ريال سعودي، أو السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، أو بكليهما، وإغلاق المنشأة وتصفية نشاطها وإلغاء ترخيصها، وشطب السجل التجاري للمتستِّر، ومنعه من مزاولة النشاط الاقتصادي محل الجريمة أو أي عمل تجاري آخر، وإبعاد المدان غير السعودي عن المملكة بعد تنفيذ الحكم وعدم السماح له بالعودة إليها للعمل، والتشهير بالمخالفين عبر نشر الحكم في صحيفة محلية على نفقتهم. تغليظ العقوبات واستكمالاً للحملة القوية التي شنتها وزارة التجارة في مواجهة التستر التجاري، صدر أخيراً النظام الجديد لمكافحة التستر التجاري، وتضمن تغليظ العقوبات على المتسترين، ورفع الحد الأقصى للغرامة المالية إلى 5 ملايين ريال سعودي بدلاً من مليون، كما رفعت الحد الأقصى للسجن إلى 5 سنوات بدلاً من سنتين، إضافة إلى تمكين الجهات الحكومية ذات العلاقة من ضبط جرائم التستر التجاري ومخالفاته، والاستعانة بالتقنية لإثبات جرائم التستر عبر الأدلة الإلكترونية، وحجز ومصادرة الأموال غير المشروعة في النشاط التجاري محل المخالفة بأحكام قضية نهائية، ولتسهيل عمليات التبليغ تضمن النظام الجديد حماية هوية بيانات المبلغين وعدم تضمينها في ملف القضية، وتخفيف عقوبة مرتكب الجريمة أو الإعفاء منها عند مبادرته بتقديم الأدلة والتبليغ، وتقديم مكافأة للمبلغين بمبلغ مالي يصل إلى 30% من قيمة الغرامة المحصَّلة. ويهدف النظام إلى تغليظ العقوبة المفروضة على جريمة التستر بما يتناسب مع حجم الأعمال محل الجريمة، والتضييق على منابع ظاهرة التستر من خلال التصدي للمراحل التي تسبق جريمة التستر وتقرير إجراءات استباقية لمنع وقوع الجريمة، ومكافحة سلاسل الإمداد المرتبطة بظاهرة التستُّر عبر تجريم الاشتراك في تعاملاته، وتسهيل عملية الإبلاغ عن الجريمة من خلال حماية المبلغين. وتأكيداً على حرص المملكة العربية السعودية في قهر التستر التجاري والتغلُّب عليه، متمثلة في قيادتها الرشيدة، صدر مؤخراً توجيه المقام السامي بإنشاء لجنة وزارية تتولى الإشراف على البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، وتقترح حلولاً ومبادرات من شأنها مكافحة التستُّر والقضاء عليه. جريمة أخلاقية يُعرَّف التستر التجاري بأنَّه قيام مواطن سعودي بتمكين غير السعودي من ممارسة أي نشاط تجاري محظور عليه نظاماً دون الحصول على رخصة الاستثمار الأجنبي، مثل أن يتفق الطرفان على أن يفتتح المقيم نشاطاً تجاريّاً مسجلاً باسم المواطن مقابل مبلغ يتسلمه دورياً، ويقوم المقيم بإدارة النشاط التجاري وتشغيله وأخذ أرباحه كاملةً، وهو استغلال للحق التي منحته الدولة للمواطنين بممارسة الأعمال التجارية في منحه لغيرهم. ومن الجدير بالذكر أن لغير السعوديين الحق في ممارسة أي نشاط تجاري في المملكة بشرط أن يكون خاضعاً لنظام ورخصة الاستثمار الأجنبي، ويكمن خطر التستر التجاري وأثره الجسيم على المجتمع في أنه يمثِّل تهديداً للسلامة، إذ تنعدم الاشتراطات الصحية وتتفشى البضاعة المغشوشة والمقلَّدة وغير المضمونة في المنشآت القائمة على التستر التجاري. كما يكثر التلاعب في المنتجات والتزييف والخداع، مثل تغيير تاريخ انتهاء صلاحية المنتجات الغذائية. أمَّا على الجانب الاقتصادي، فإنَّ أبرز آثار التستر التجاري تكمُن في زيادة معدل بطالة المواطنين بما يعكس ضرراً اقتصاديّاً على الوطن، وارتفاع الأسعار نتيجة احتكار السوق، وترحيل أموال طائلة للخارج وعدم الاستفادة منها داخليّاً، وضياع آلاف الفرص الاستثمارية للسعوديين، وتفشي الغش والتحزُّب ضد رواد الأعمال، والتضييق على أصحاب الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وقد تصل عواقب التستر التجاري إلى تهمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وفي إطار توعية المجتمع بخطر التستر التجاري ونهايته المحتومة، حرصت وزارة التجارة على نشر قصص حقيقيَّة لمواطنين تورطوا في هذه الجريمة بحثاً عن الفوائد المادية، لكنهم خرجوا منها بخسائر طائلة، وهرب المتستر عليه بأموال طائلة وتركهم ليواجهوا تبعات جريمتهم وعواقبها.