الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبر فيه العربي عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، من الشعراء: متمم بن نويرة بن عمرو بن شداد اليربوعي التميمي، شاعر جاهلي من أشراف قومه، وفارس من فرسان العرب، وقد ورد عنه أنه أسلم فيما بعد، عُرف برثاء أخيه مالك بن نويرة الذي قتل في حروب الردة، ولما بلغه مقتل أخيه قال: نعم القتيل إذا الرياح تناوحت خلف البيوت قتلت يابن الأزور لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه حلوٌ شمائله عفيف المئزر ثم أجهش بالبكاء فقام إليه عمر بن الخطاب فقال له: لوددت أنك رثيت زيداً أخي بمثل ما رثيت به مالكاً أخاك، فقال متمم: يا أبا حفص والله لو علمت أن أخي صار بحيث صار أخوك ما رثيته، فقال عمر: ما عزّاني أحد عن أخي بمثل تعزيته. ومن أبلغ ما قاله متمم في رثاء أخيه مالك قصيدته «العينية» التي سُمّيت بأم المراثي ويقول فيها: لَعَمْرِي وما دَهْرِي بِتَأْبِينِ هَالِكٍ ولا جَزَعٍ مِمَّا أَصَابَ فَأَوْجَعَا لَقَدْ كَفَّنَ المِنْهَالُ تحتَ رِدَائِهِ فَتًى غيرَ مِبْطانِ العَشِيَّاتِ أَرْوَعَا تَرَاهُ كَصَدْرِ السَّيفِ يَهْتَزُّ لِلنَّدَى إذا لم تَجِدْ عندَ امرئِ السَّوْءِ مَطْمَعَا وَإِنْ ضَرَّسَ الغزوُ الرِّجالَ رَأَيْتَهُ أَخَا الحربِ صَدْقًا في الِّلقاءِ سَمَيْدَعَا وما كان وَقَّافًا إذا الخيلُ أَجْمَحَتْ ولا طَائِشًا عندَ الِّلقاءِ مُدَفَّعَا فَعَيْنَيَّ هَلاَّ تَبْكِيانِ لِمَالِكٍ إذا أَذْرَتِ الرِّيحُ الكَنِيفَ المُرَفَّعَا ولِلشَّرْبِ فابْكِي مَالِكًا وَلِبُهْمَةٍ شَدِيدٍ نَوَاحِيهِ على مَن تَشَجَّعا وأَرْمَلَةٍ تَمْشِي بأشعثَ مُحْثَلٍ كَفَرْخِ الحُبَارَى رَأْسُهُ قدْ تَضَوَّعَا إذا جَرَّدَ القومُ القِدَاحَ وَأُوقِدَتْ لهمْ نَارُ أَيْسَارٍ كَفَى مَن تَضَجَّعَا وَإِنْ شَهِدَ الأَيسارَ لم يُلْفَ مَالِكٌ على الفَرْثِ يَحْمِي الَّلحمَ أَنْ يَتَمَزَّعَا أَبَى الصَّبْرَ آياتٌ أَرَاها وَأَنَّنِي أَرَى كلَّ حَبْلٍ بعدَ حَبْلِكَ أَقْطَعَا وَأَنِّي متى ما أَدْعُ بِاسْمِكَ لا تُجِبْ وكنتَ جَدِيراً أَنْ تُجِيبَ وتُسْمِعَا وَعِشْنَا بِخَيْرٍ في الحياةِ وَقَبْلَنَا أصابَ المَنَايَا رَهْطَ كِسْرَى وَتُبَّعَا فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكاً لِطُولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا وكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيْمَةَ حِقْبَةً مِن الدَّهرِ حتى قيلَ لنْ يَتَصَدَّعَا فإِنْ تَكنِ الأيَّامُ فَرَّقْنَا بَيْنَنَا فقدَ بانَ مَحْمُوداً أَخِي حينَ وَدَّعَا سَقَى اللهُ أَرْضاً حَلَّها قَبْرُ مَالِكٍ ذِهَابَ الغَوَادِي المُدْجِنَاتِ فَأَمْرَعَا فَو اللهِ ما أُسْقِي البلادَ لِحُبِّها ولكنَّني أُسْقِي الحبيبَ المُوَدَّعَا تَحِيَّتُهُ مِنِّي وَإِنْ كانَ نَائِياً وأمسى تُرَاباً فَوْقَهُ الأَرْضُ بَلْقَعَا تقولُ ابنةُ العَمْرِيِّ مَا لَكَ بعدَما أراكَ حَدِيثًاً نَاعِمَ البالَ أَفْرَعَا فقلتُ لها طولُ الأَسَى إِذْ سَأَلْتِنِي وَلَوْعَةُ حُزْنٍ تَتْرُكُ الوَجْهَ أَسْفَعَا وَإِنِّي وَإِنْ هَازَلْتِنِي قدْ أَصَابَنِي مِن البَثِّ ما يُبْكِي الحَزِينَ المُفَجَّعَا فلا فَرِحاً إِنْ كنتُ يوماً بِغِبْطَةٍ ولا جَزِعاً مِمَّا أَصَابَ فَأَوْجَعَا فلو أَنْ ما أَلْقَى يُصِيبُ مُتَالِعاً أوِ الرُّكْنَ مِن سَلْمَى إِذن لَتَضَعْضَعَا بَأَوْجَدَ مِنِّي يومَ قامَ بِمَالِكٍ مُنَادٍ بَصِيرٌ بالفِرَاقِ فَأَسْمَعَا ألمْ تَأْتِ أَخْبَارُ المُحِلِّ سَرَاتَكمْ فَيَغْضَبَ منكمْ كلُّ مَن كان مُوجَعَا بِمَشْمَتِهِ إِذْ صَادَفَ الحَتْفُ مَالِكاً وَمشْهَدِهِ ما قَدْ رَأَى ثمَّ ضَيَّعَا فلا تَفْرَحَنْ يوماً بنفسِك إِنَّنِي أَرَى المَوْتَ وَقَّاعاً على مَنْ تَشَجَّعَا فلا يَهْنِئِ الوَاشِينَ مَقْتَلُ مَالِكٍ فقدَ آبَ شَانِيهِ إِيَاباً فَوَدَّعَا