لماذا تغضب عندما يتجاوزك أحدهم وأنت تنتظر عند عيادة الطبيب أو في انتظار الدخول على موظف البنك أو غيرها من طوابير الخدمات أو الدوائر الحكومية...؟! حتى لو لم تكن مستعجلاً ولن تتأثر ظروفك بذلك التجاوز فمن الغالب أنك ستغضب أو تتضايق في أقل الأحوال. إن مصدر هذا الشعور السلبي الذي ينتابنا تجاه هذا الشخص المتجاوز هو شعورنا بعدم إحساسه بنا، بحقوقنا، بقيمتنا، بمشاعرنا! نعم.. إن النفس البشرية مجبولة على الحاجة إلى شعور الآخرين بها وتعاطفهم معها. فالرسول -عليه السلام- لم يكن الوحيد بين قومه الذي فقد أبناءه صغاراً، ولم يكن -عليه السلام- ليضيق صدره من قضاء الله؛ بل لقد آلمه أنْ يعيّره قومه بذلك وتُعدَم مشاعر التعاطف والإحساس بالآخر عندهم. فالله جل وعلا لم يعاتبه على ذلك لِمَا يعلمه من تأثر النفس البشرية من انعدام التعاطف حولها، فأنزل تعالى سورة الكوثر تسليةً وعزاءً لقلب المصطفى -عليه الصلاة والسلام. في رأيي أن الإحساس والتعاطف مع الآخرين –وإن كان غريزياً– فإنه لابد وأن يتم العمل على تعزيز هذا الشعور عند أولادنا وطلابنا، لأن الإحساس بالآخرين ليس موقفاً أو مواقف معدودة محدودة؛ بل هو حالة إنسانية يجب أن تتم حمايتها من التضاؤل والاندثار! وما أشد حاجتنا إليه في هذه الأيام ونحن نواجه جائحة فايروس كورونا المؤلمة! ومما يُؤسَف له أن واقعنا اليوم يزخر بالآلام التي يعيشها الكثيرون بيننا ممن فقدوا إحساس الآخرين بهم وتعاطفهم معهم، ولا أُذيع سرّاً عندما أقول إن الحياة المدنية -بما تحمله من قفزات تكنولوجية هائلة- ساهمت بشكل أساسي في تراجع اهتمام الإنسان بمشاعر أخيه الإنسان!.. والاتهام لطبيعة حياة التمدن لا يعني أننا خارج قفص الاتهام، فنحن مَن سمحنا للتقنية بأن تغيّر كثيراً من مفاهيمنا وأخلاقنا وعاداتنا وتربيتنا إلى واقعٍ يسير في خطّ تنازلي تشهد عليه منابر التنمر الإلكترونية بما تحمله من جرأة على تجريد الأشخاص من وطنيتهم أو دينهم أو انتماءاتهم للأسف الشديد! وفي كلمة معالي وزير الصحة الأخيرة حول مآلات فايروس كورونا في وطننا الغالي، كان شعور الإحساس بالمسؤولية وقيمة الدور الذي يمثله كل مواطن ومقيم، كان هو الرسالة التي سعى معاليه إلى تأكيدها والحث عليها، وإنك لتلمس مقدار الألم الذي تنطوي عليه كلمات معاليه والذي انعكس على ملامح وجهه ونبرات صوته لما رآه -وهو المطّلع على تفاصيل الأمور- من ضعفٍ في الإحساس بصعوبة المرحلة وتداعياتها السلبية إن لم يلتزم أفراد المجتمع بالتباعد الاجتماعي وكل الإجراءات الوقائية للتغلب على هذه الجائحة. لذلك يا قارئي العزيز.. قبل أن تقرر أن تستهتر بسلامتك وسلامة الآخرين، وقبل أن تشعل سيجارتك، أو تُطيل الضغط على منبه سيارتك، تذكّر أن هنالك من سيلحقهم الأذى منك!.. فافعل إن كنت تحتمل دعوات الآخرين عليك! * كاتب سعودي muaqel@