لا يختلف اثنان على أن فايروس كورونا غيّر كثيرا من البروتوكولات الصحية في بلادنا، وأكسبتنا تجربة التعامل مع الوباء العالمي خبرة تراكمية غير مسبوقة في وقت قصير لمواجهة وباء ظهر بشكل مفاجئ لقتل البشر، فايروس صغير خفي يدخل الأجهزة التنفسية يحاول النيل من الإنسان.. وقد تعاملت القيادة الحكيمة مع الوباء بأقصى حالات التحوط والاحتراز وتقديم الخدمات الصحية على أعلى المستويات. وشهدت المملكة أخيرا خروج أعداد كبيرة من دور الضيافة الصحية بعد أن قضوا 14 يوما في (الحجر الصحي)، نتيجة مخالطتهم لحاملي الفايروس، معظمهم قادمون من الخارج.. خرجوا بعد تجربة نادرة في حياتهم، مشافين معافين، تذكروا خلالها ما عايشه سكان مدينة ووهان الصينية من جحيم الوباء القاتل، حامدين الله وشاكرين الدولة التي وفرت لهم الرعاية الصحية الكاملة. قصص إنسانية متعددة وكثيرة للذين خرجوا من الحجر بعضها حزين، والآخر مفرح، إلا أن القاسم المشترك هو الإحساس بتجاوز الأزمة وتحمل الدولة المسؤولية الكاملة، حيث طبقت العزل المنزلي وفي دور الضيافة على الآلاف من المواطنين والمقيمين ضمن إجراءات مكافحة انتشار كورونا.. ووفقا للإجراءات الاحترازية المتبعة من قبل الجهات المختصة، يتم فور وصول المواطنين لأي منفذ نقلهم مباشرة إلى الحجر وأخذ عينات للفحص المخبري فإذا ثبتت الإصابة يتم نقلهم إلى العزل الصحي في المستشفى، وفي حالة الاشتباه يتم إرسالهم لدور الضيافة أو البقاء في البيت وفق الشروط الوقائية إذا رغب المخالط. وتبدأ أعراض«كوفيد - 19» بالظهور خلال 14 يوماً أو أقل، حيث قامت وزارة الصحة بتدريب الكوادر الطبية بمختلف التخصصات على هذه الحالات، وتوجد مراكز صحية متخصصة مثل «المركز العالمي لطب الحشود» و«المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها» و«المركز الوطني لإدارة الأزمات والطوارئ الصحية» و«مركز القيادة والتحكم والسيطرة»، إضافة إلى شبكة مستشفيات خصصتها وزارة الصحة عددها 25 مستشفى تخصصياً، إلى جانب 3 مستشفيات رديفة في حال الاحتياج لها. لقد أمنت وزارة الصحة كل الخدمات للنزلاء حيث يتم توفير احتياجاتهم من خارج الفندق في أي وقت، كما تتواصل الصحة مع النزلاء من الجانب الاجتماعي والنفسي، ويتم توعيتهم عبر الشاشات الداخلية في دور الضيافة ومن خلال التواصل معهم عبر رقم مخصص للتوعية والاستشارات الطبية والنفسية حيث يتم نقل النزلاء ممن كانت منازلهم خارج المدينة التي قضوا فيها مدة الحجر الصحي عن طريق الطائرات بالتعاون مع الهيئة العامة للطيران المدني. النزلاء الذي أمضوا 14 يومًا في دور الضيافة، أكدوا أن تجربتهم تمثل قصة نجاح لوزارة الصحة لما قدمته من رعاية صحية وخدمات متميزة والتعامل مع فايروس فتاك لأول مرة.. إنها قصة نجاح للمملكة. وهكذا أمضى الآلاف رحلة ال 14 يوما.. وخرجوا بسلام.. مشافين معافين.. كوفيد 19.. خسئت لن تهزمنا. قصة هتان.. من البداية حتى النهاية كم أنتِ عظيمة يا بلادي لم يكن هتان قطان، الذي يدرس الماجستير في جامعة ليستر البريطانية، يعلم أنه سيخوض تجربة نادرة في حياته في ذروة تفشي وباء كورونا، ففور وصوله لمطار الملك عبدالعزيز بجدة، وهو في قمة السعادة لعودته لأرض الوطن، طلبت الفرق الطبية المتواجدة في المطار بعد الفحص عليه التوجه معهم إلى أحد الفنادق بمكة لإجراء الفحوصات المخبرية والبقاء في الحجر الصحي لمدة 14 يوما لاحتمال مخالطته لحاملي الفايروس. يقول هتان «بعد جلوسي في أحد فنادق مكة طلبت الفرق الطبية المغادرة إلى جدة حيث مكثنا مع مجموعة كبيرة في فندق وتم وضع كل شخص منا بمفرده». ويواصل هتان حديثه قائلا «كانت أياما صعبة لكني كنت متفائلا جدا بإرادة الله أولا ثم بفضل الاهتمام من وزارة الصحة التي لبت كل احتياجاتنا صغيرة كانت أو كبيرة. وفي إطار الاحترازات لم يسمح الأطباء بخروجنا من الغرفة ونحن احترمنا هذه الاحترازات لأنها في مصلحتنا أولا وأخيرا».. وأردف قطان قائلا: «بعد 3 أيام قاموا بأخذ التحاليل المخبرية للتأكد من عدم إصابتي بالفايروس. سألت الطبيب.. لماذا تأخرتم في هذا الإجراء أجابني: التأخير بسبب التأكد من ظهور أو عدم ظهور الأعراض».. مرت الأيام بطيئة ومملة في بعض الأحيان.. حتى جاءتني مكالمة في اليوم الثالث عشر بعد إجراء آخر فحص مخبري على توصيلة غرفتي رفعت السماعة وإذا بالطبيب يقول «ألف مبروك هتان.. أنت خالٍ من الفايروس.. غدا ستغادر إلى منزلك».. حمدت الله وشكرته على نعمته وفضله.. سألت هتان: كيف تقارن هذه التجربة بتجربة وجودك في بريطانيا، قال: لا مقارنة.. البريطانيون لم يسألوا عنا.. فقط الملحقية والسفارة تطمئن علينا. وأضاف «بلادي عظيمة وقادتنا حكماء». هذه قصة واحدة من مئات قصص نجاح المملكة التي لم تر بعد. الشفافية.. والتأهب تعاملت المملكة بشفافية عالية من خلال الإفصاح عن كل صغيرة وكبيرة تتعلق بفايروس كورونا، في وقت أخفت بعض الدول أعداد حالات الإصابة، فقد اتسم التعامل السعودي بالشفافية والوضوح قبل إعلان الحالة الأولى المكتشفة، ما يدل على اهتمام وحرص كبيرين من الحكومة السعودية على سلامة المواطن السعودي والمقيم على أراضيها على حد سواء. وخصصت السعودية لجنة من 13 وزارة يرأسها وزير الصحة، معنية بمتابعة الوضع الصحي لفايروس كورونا، وتضم في عضويتها ممثلين من وزارات: «الدفاع، الطاقة، الداخلية، الحرس الوطني، الخارجية، الصحة، المالية، الإعلام، التجارة، الاستثمار، الحج والعمرة، والتعليم»، وهيئة الطيران المدني، وهيئة الهلال الأحمر السعودي، والهيئة العامة للغذاء والدواء، والهيئة العامة للجمارك، ووزارة السياحة، والمركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها Saudi CDC. وترصد وزارة الصحة بشكل يومي تطورات فايروس كورونا، مع قيامها بحملات توعوية لكل شرائح المجتمع وتعاونها مع جميع الجهات الحكومية، واستعدت بمختبراتها ومرافقها الخاصة بالعزل لتنفيذ الفحوصات والإجراءات الطبية التي تعمل على أعلى مستوى. كما خصصت الوزارة الرقم (937) لأي استفسار بشأن الفايروس، وشاركت معلوماتها التوعوية في كل الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها بشكل مكثف لرفع مستوى الوعي، واعتمدت أعلى معايير البروتوكولات الطبية المطبقة لجعل الفايروس في حالاته الأدنى. وجهزت وزارة الصحة 25 مستشفى للتعامل مع حالات كورونا، وأكثر من 2200 سرير لعزل الحالات، كما تتبع مستشفياتها إجراءات تبدأ من نقطة استقبال المريض ثم عملية الفرز ويتم فيها توجيه المرضى بحسب حالتهم الصحية، ومن لديه أعراض تنفسية يتم توجيههم عبر مسار خاص للتحقق من عدم وجود كورونا في جهازهم التنفسي. وفي حال وجود الاشتباه يتم دخوله في مرحلة أخرى، عزل الحالات المشتبه بها، وبعد التأكيد تحول إلى قسم الحالات المؤكدة وهي عبارة عن غرف منفصلة تحتوي على سرير واحد، وكل التجهيزات الكافية وعنايات مركزة خاصة لهذا الغرض، فضلًا عن كوادرها البشرية.