أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن القصص في كتاب الله فيها متعة وتسلية، ولكنها تقرع بمواعظها القلوب، ويبرز في رجالاتها الصراع بين الحق والباطل. وبين في خطبة الجمعة اليوم، أن قصة قارون والمسلك القاروني تجسد الموقف من المال وفتنته، وكيفية التصرف فيه، لافتا إلى أنه يستخلص من تلك القصة وقفات منها أن قارون نموذج لصنف من البشر كافرٍ بنعمة الله، موجود مثيله في كل الأعصار، بخصائصه وصفاته، يَفتن، ويَستفز، ويُغري، ويكون سببا لانحراف بعض النفوس. وأضاف أن من الوقفات أن للمال سلطان على النفوس يسوقها في دروب التيه، والبعد عن الله، وإذا لم تفطن هذه النفوس لما هي فيه، وما هي مقدمة عليه، وتراجع نفسها، وتراجع أمر الله، فإنها ستهلك إما إفراطا أو تفريطا. ولفت بن حميد إلى أنه في المسلك القاروني، وأمام فتنة المال، والثروات، والمرابحات، والأرباح، والاستثمار ثمت طائفتان طائفة وقفت وقفة المأخوذ المبهور المتهافت، ضعاف النفوس، قصيرو النظر، ما يجسد الطبائع البشرية على اختلاف فهومها وتطلعاتها، وأمانيها ورغباتها، وموقفها من النعم، والطائفة الثانية أهل العلم، والإيمان، والحكمة، استعلت بإيمانها، وعلقت رجاءها بربها، وأيقنت حسن ثوابه، وعرفت قيمة الإيمان، وهي درجة رفيعة لا يلقاها إلا الصابرون على دواعي المشتهيات، والرغبات، والإغراءات. ولفت إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أنه من فضل الله على الأمة أن يوجد فيها علماء ناصحون، وإلى الخير والحق يرشدون، أهل العلم لا يجرفهم مثل هذا الطوفان، فهم أشداء بإيمانهم، أقوياء بيقينهم، عالمون بحقيقة الدنيا، ووظيفة المال، وثواب الآخرة، فلا يغريهم رنين الدرهم والدينار، ولا بريق الذهب والفضة. وشدد بن حميد على أن المال إذا لم يحسن توظيفه فهو وسيلة من أعظم وسائل الفساد والإفساد وقال «عجيب أن تبتلى بعض النفوس ذات الثراء واليسار بفتنة عرض ثرواتها أمام الناس، واستعراض ثرواتها أمام المستضعفين، يعبرون بمراكبهم الوثيرة، وملابسهم الزاهية أمام حفاة الأقدام، ومرقعي الملابس ليتصاعد غبار مراكبهم منتثراً في وجوه الضعاف والمساكين، مع غرق هؤلاء المتكبرين المتغطرسين في النشوة والسكرة»، وأشار إلى أن الأغنياء في كل زمان ومكان يعيشون بواحد من قلبين، إما قلب قارون في طغيانه، وبطره، وغفلته، يمارس الظلم والمعاصي، وإما بقلب سليمان عليه السلام وقلب ذي القرنين، إيمان، وإقرار بفضل الله ومنته، وصرف له في طاعته.