جلست في مقعدي المفضل بجانب النافذة الكبيرة في طائرتنا، ونظرت بإعجاب إلى الجناح العملاق الذي تفوق مساحته مساحة منزلي. ولهواة الطيران ففي هذه البوينج 787 تبلغ مساحته 377م2، ويكفي ذلك لأن يجلس فوقه جميع ركاب رحلتنا إلى الرياض اليوم. وسبحان الله كان جماله مذهلا وكأنه مصقول بألوانه العجيبة التي تعكس المواد المختلفة التي استخدمت للتصنيع. واليوم، وبعد سبعين سنة من هيمنة عنصر الألمونيوم في صناعة الطائرات، دخلت مجموعة عناصر جديدة إلى الساحة وعلى رأسها ألياف الكربون. أثبتت الخلطات الكربونية قوتها وسلامتها وتفوقها على معدن الألمونيوم في عالم صناعة الطائرات، والإثبات أمام عيني الآن ينعكس في الجناح الجميل ومكوناته الكربونية الرائعة ولونها الأبيض الناصع. والأغرب من ذلك هو أن تصنيعه يتطلب استخدام الأفران العملاقة في أحدث مصانع اليابان وإيطاليا. وقمة الغرابة هي أن هناك كميات من الصمغ تستخدم لتركيب الطبقات الكربونية وأنسجتها المحكمة الدقة لتأكيد قوتها في بعض من أحدث عمليات التصنيع الحديثة في العالم اليوم. وتاريخ علاقتنا مع الصمغ يحتوى على الطرائف، ويستحق وقفة تأمل: استخدم البشر المواد اللاصقة منذ القدم وهناك العديد من الأدلة على ذلك في السجل الأثري في الأسلحة والأدوات المنزلية التاريخية. ولكن لو دققنا في الموضوع، سنجد بعض المفاجآت ومنها أن الألوان هي عبارة عن مواد لاصقة تبدأ في حالة سائلة ثم تتجمد بعدما تلصق على الأسطح المختلفة سواء كانت رسومات على الجدران، أو لوحات فنية، أو أنواع الطلاء المختلفة التي تزين حياتنا كل يوم.. كلها عبارة عن خلطات تلصيق بشكل أو آخر. من ملابسنا إلى أثاث منازلنا، وجدرانها، وسياراتنا.. لصقات إبداعية بأشكال وألوان وخلطات مذهلة. وهناك المزيد.. كريمات الحلاقة التي نستعملها يوميا صممت للتلصيق بطرق رائعة.. تؤدي مهمتها لحماية وجوهنا ثم تزال بسهولة ببعض الماء. وأما بالنسبة للسيدات فحدث ولا حرج: معظم المكياج يتم «تلصيقه» على الوجوه مؤقتا بشكل أو آخر.. من الكحل، إلى الكريمات، إلى الحُمرة، واسمها باللغة الإنجليزية هو لصق الشفاه lipstick. ولو تأملنا في ما هو أقرب لحياتنا اليومية سنجد عالم الغذاء مليئا بالتلصيق الذي لا نتوقعه. استخدام السمن والزبدة في المعجنات له عدة مميزات ومنها أنه يضم الدقيق على شكل العجين، ولا ننسى روائع الحلويات مثل المهلبية والططلي مثلا التي يتم تلصيق مكوناتها باستخدام النشأ. وأخيرا، ففي كل نفس ننعم به بمشيئة الله تعالى، تلعب خصائص التلصيق دورها العجيب من خلال شعبطة ذرات الأوكسجين بإحكام على كريات دمنا الحمراء بلايين المرات يوميا. أمنيةمن الجوانب الداكنة للصقات هي السلوكيات الطفيلية للانتفاع وللأسف أنها في ازدياد بوتيرة مخيفة. أتمنى أن يقينا الله شرورها سواء كانت على المستوى الشخصي، أو حتى على مستوى الدول وأشباه الدول. ومن الأمثلة على تلك اللصقات هي اعتماد الكيان الصهيوني على الدعم الخارجي بطرق عجيبة، والله أعلم بخباياها. وهو من وراء القصد. * كاتب سعودي