قلّما تجد شخصيةً بحجم وأناقة الراحل الدكتور ناصر الجهني، التي تتكامل فيها عناصر الجمال على مستوى الشكل والمضمون والوعي، وممارسة الحياة. الجهني، أستاذ علم اللغة الاجتماعي، الكاتب الماهر، والأكاديمي العتيد، والمتحدث اللبق، والطاقة الإبداعية والإنسانية الذي لن ينجح هادم اللذات في محو صورته ولا التشويش على صوته ولا طمس كلماته، حمل المحبة لأجيال قبل أن يلتقيها، واحتفى بتجارب العشرات ممن سكنه دفء حروفهم. يا ربيب الجمال الشفيف عفا الله عنك إذ تترك مكانك في المقاومة الشرسة للفتك المعولم.. عفا الله عنك يا من لم تبح للآخرين بما يتربّص بك، من عدو شرس، حاول أن يثنيك لكنك لم تنحن له. ويظل الموت فاجعاً، كونه لا يرسّخ فينا ما يأتي بل يعيدنا إلى ما مضى. وأنت أيها الأنيق، تفلسف اللغة لطلاب جامعة أم القرى منتصف الثمانينات الميلادية بلسان أبلغ من ألسنة الغربيين، لكنك لا تتوانى في الوقت ذاته عن تذكيرنا بأن اللغة كائن اجتماعي. والإنسان كائن اجتماعي. وأنه مثلما نحرص على انتقاء لغة صافية ونقية، ينبغي أيضاً أن نختار أصدقاء جديرين بالمحبة.. «أبوحاتم».. تلقيك نبأ إصابتك بالسرطان بصبر وإيمان كان مثالاً نادراً.. ولم تثنك غرفة العمليات عن تغريدة تفاؤل قلت فيها: «وتشاء أنت من البشائر قطرة.. ويشاء ربك أن يغيثك بالمطر». وداعا.. يا من رسمت صور محبيك بألوان قوس قزح، وغرست فينا شجرة معرفتك، وعيناك على سدرة المنتهى.