في العام 2015 تقلد الأمير محمد بن سلمان أول مناصبه القيادية في سلم القيادة السعودية، رأس الأمير مجلس الشؤون الاقتصادية، وهو عبارة عن مجلس وزراء مصغر مهمته إدارة الشأن الاقتصادي في البلاد. بتقييم سريع للمركز المالي للمملكة وجد الأمير محمد بن سلمان أن الدولة تكاد تكون قاب قوسين أو أدنى من شفير انهيار اقتصادي حتمي، كان سببه الرئيس الاندفاع في الصرف اعتماداً على مداخيل بترولية تراجعت فجأة من 140 دولاراً قبل خمسة أعوام إلى 27 دولاراً العام 2015. كان لزاماً على الدولة أن تستمر في التزاماتها الشعبية من رواتب ووظائف وصناديق وبرامج اجتماعية وإدارة تشغيلية، وكذلك إنجاز المشاريع العالقة والارتباطات الداخلية والخارجية والعقود التي بدأ في تنفيذها ولم تكتمل، كان المستحق أكبر بكثير جداً من الدخل المتوقع، والاستمرار يعني حتمية الاقتراض بديون هائلة والارتهان لدول وبنوك وصناديق دولية وهذا يعني أن القرار السياسي السعودي سيصبح رهينة، وهذا أمر ترفضه القيادة والشعب. بدأ الأمير محمد بحزمة من القرارات الشجاعة والقاسية، ووضع لها أهدافاً عدة، أهمها استمرار الدولة في الصرف على التنمية الداخلية والالتزامات تجاه مواطنيها، وإيقاف التضخم ومنع الانهيار الاقتصادي والمالي، وإغلاق المشاريع الملتزم بها وإيقاف غير الضروري منها والتي لم تبنَ على معايير تنموية وليست ذات أولوية. الموظفون التكنوقراط - الذين ورطوا خزينة الدولة - بعضهم لم يكونوا أمينين في إدارة الثروة المالية التي انهمرت مثل المطر على المملكة، بل وصل الأمر بهم أن رهنوا الدولة بمشاريع بمئات المليارات قد يكون هناك أولويات لمشاريع أكثر أهمية منها، لم يتوقف أولئك التكنوقراط عند ذلك بل ألزموا مقاولي مشاريع مستقبلية تزيد على تريليوني ريال هي في معظمها مشاريع غير تنموية وليست ذات عائد. وضع الأمير لنفسه هدفين رئيسيين: تخفيض الاعتماد على البترول كمصدر وحيد للدخل، وتعظيم المصادر الأخرى، وفي خط موازٍ الاستفادة من الإمكانات المهملة للسعودية في مجال السياحة والترفيه وتعظيم الاستثمار والشراكات وتبادل المنافع في العقود الكبرى، وتعزيز القوة الناعمة. عمد الأمير إلى مصارحة شعبه وتحويلهم من متلقين للأقدار الاقتصادية ومشيئة أسعار البترول، إلى مشاركين في فهم وضعهم المالي وتبني السياسات التحديثية والمساهمة في بناء اقتصاد جديد يحولهم من مرتهنين لبرميل البترول إلى صانعين للمال. فهم الأمير محمد بن سلمان أن أي مجتمع عادة ما يرفض التغيير ويقاوم ما تعود عليه، إضافة إلى وجود صانعين للكوابيس والظلام تحركهم أجندات أجنبية، هؤلاء بالذات قام بتحييدهم ومنع تأثيرهم، أما الداخل السعودي فقد قام بجملة من اللقاءات والمؤتمرات واللقاءات الصحفية هدف منها شرح رؤيته وبرامجه وتطلعاته ووعوده، وفي مسار موازٍ لم ينسَ المجتمع الدولي وقام بجولات متعددة شملت سياسيين وقادة اقتصاد، شاركهم أفكاره واحلامه ودعاهم للمشاركة في استثمار الفرص المتاحة. كانت السعودية تقاوم توابع زلزال «الخريف العربي» ومحاولة صانعيه نقل آثاره للمملكة، بل ومحاولة صنع ربيع مزور في شوارعها. لقد أحدث الأمير ثورة في بلاده، لكنها ليست ثورة في الشوارع والميادين كما الذي واجهته ليبيا ومصر واليمن وسوريا، بل في جودة الحياة وتنويع الاقتصاد وتكثيف الفرص وتحسين سمعة بلاده وصناعة التغيير في المنطقة، لقد تحول الشباب الذين يمثلون 70% من تعداد السكان من لوامين في الاستراحات والمقاهي إلى قادة التغيير والتحديث في المملكة، وتحولت السعودية في غضون خمس سنوات 2015 -2020 إلى مثال لإرادة التغيير، ومحط أنظار العالم والقوة المؤثرة الأولى في الإقليم. * كاتب سعودي massaaed@