حتى في ذروة الصراع بين واشنطن وطهران تصر الأخيرة أن تقاتل أعداءها بالدم العربي، ففي الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر وتزداد حرب التغريدات بين نظام الملالي والإدارة الأمريكية ممثلة بالرئيس دونالد ترمب، يخرج علينا ذيول إيران في المنطقة لكي يزجوا بلادهم في أتون صراع تبدو نتيجته شبه محسومة، لصالح خروج إيران مذمومة ومدحورة من البلاد التي استباحتها قتلا وتدميرا واغتصابا. منذ وصول الرئيس الأمريكي ترمب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض وقد استخدم سياسة مختلفة عن سلفه أوباما في ما يخص الملف الإيراني، فقد أظهر ترمب عوار الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 وأعلن انسحاب بلاده من هذا الاتفاق، كما رفضت الولاياتالمتحدة دعم إيران للميليشيات الإرهابية ورفضت البرنامج الصاروخي البالستي الإيراني وخصوصا تزويد الميليشيات الإرهابية به، كما رفض ترمب أن يسير على نهج سلفه بإطلاق يد إيران في المنطقة برمتها. ومع ذلك فإن الرئيس الأمريكي لم يسع للمواجهة المباشرة والشاملة مع النظام الإيراني، بل إن إدارته تراجعت أمام الاستفزاز الإيراني بإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار أو استهداف الملاحة البحرية. المواجهة الأخيرة بين الطرفين حدثت عندما شعرت إيران أن البساط يسحب من تحت قدميها، بالعقوبات الأمريكية التي باتت تؤثر بقوة على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الإيراني، كما أن الثورة الشعبية في العراق وكذلك في لبنان أصابت النظام في مقتل، لذلك فقد أرادت إيران مشاغلة الولاياتالمتحدة عبر التنظيمات التابعة لها، فجرى استهداف قواعد أمريكية في العراق ثم الرد على استهداف الولاياتالمتحدة لميليشيات حزب الله العراقي باقتحام السفارة الأمريكية، وأخيرا استهداف سليماني من قبل واشنطن. إيران تريد منذ اليوم تغير الإستراتيجية في المنطقة، بحيث تدفع واشنطن إلى الانسحاب وهذا أمر يصعب تخيله في ظل قوة الولاياتالمتحدة ومصالحها المتشعبة في المنطقة، إذا نحن أمام معادلة صفرية على الأقل في ظاهرها. الخطورة تأتي من كون إيران تريد أن تجعل الدول العربية مسرح صراعها مع واشنطن وبالدماء العربية وهنا مكمن الخطورة، بسبب الخسائر الكبيرة التي يمكن أن تلحق بالدول العربية ذات الحضور الإيراني مثل العراقولبنان وسوريا واليمن، وكذلك بسبب الاحتلال الإيراني الذي يراد تكريسه على الساحة العربية. الرهان لم يكن يوما على الولاياتالمتحدةالأمريكية لتقليص النفوذ الإيراني أو مواجهته، بل راهنّا وما زلنا على الشعوب العربية، التي باتت وأكثر من أي وقت مضى مدركة للمشروع الإيراني ومراميه وهبّت لمقاومته. قد تنجح إيران في عرقلة التحركات العربية بافتعال الأزمات ودعم الطائفيين وإدخال العالم العربي في صراعات دولية، ولكن ذلك لن يكون سوى مسكن قصير التأثير على حركة الشعوب، وستعود تلك الشعوب إلى شعارها الأثير والذي بات على كل الحناجر ولن تستطيع أي قوة تكميمه ألا وهو (إيران برّة... برّة... بغداد «أو صنعاء أو دمشق أو بيروت» تبقى حرة). * باحث سياسي ramialkhalife@