لا تميل بناتي إلى مزاجي الطربي ولا مختاراتي الغنائية لما يجدن فيها من تطويل وتكرار وإملال - بحسب رأيهن - ولا أرى بأساً في ذلك لما تفرضه فروقات الأجيال وتحولات المزاج والذائقة من اختلاف. وكنت - إذ كنت صغيراً - أستكثر حيث لا يسعني أن أستنكر تحلق كبار السن في تلك الفترة حول «الراديو» وإذاعة «صوت العرب» للاستماع إلى حفلة أم كلثوم المنقولة على الهواء. وكان يكون حديث المجالس في الأسبوع السابق لهذه الحفلة هو في انتظارها وتوقعها. وكنت أنجذب في عمر الصبا إلى سماع المطربات اللواتي يكن على قدر من الجمال، ولم يكن هذا الملمح ليشفع لأم كلثوم عندي، فلم أكن أرى جمالاً فيها ولا في صوتها ولا في طول أغنياتها المكبلهة وإعادتها للمقطع تحت ضغط المطالبة الجماهيرية، على أنني كبرت وتغيرت ذائقتي وصرت أحن لأغاني أم كلثوم وأجدها ذروة الجمال اللحني وشاعرية الكلمة وبراعة الأداء، وقد وجدت أن التقدم في السن يدفع صاحبه إلى الحنين للماضي ومتعلقاته والميل إلى ما كنت تنفر منه ماضياً، وبالتالي فإن ذلك يسري على نضج الذائقة الطربية والانحياز إلى بعض الأغاني القديمة التي لم تكن ضمن قوائم الاختيار في مرحلة الصبا، وبالقياس فإنني وجدت أنني وقد كبرت صرت أميل إلى بعض الأكلات الشعبية التي لم تكن ضمن محبذاتي في الصغر كالجريش والقرصان والمرقوق ولا حتى التمر لكنها صارت ضمن مصطفيات الذائقة في هذا العمر. لا أجد تفسيراً لهذه النستالوجيا والحنين للماضي بخاصة لدينا - نحن العرب والمسلمين - مما يركسنا ويعوق تقدمنا، فلطالما توسدنا خدر التغني بالأمجاد الماضوية. • السؤال: هل ستجد بناتي بعد طول العمر ميلاً إلى ما يعتبرنه الآن ذوق عتقيه وشياب؟ وهل يفلح العرب والمسلمون في الانعتاق من آفة تعلقهم بأستار الماضي والاتكال على ما كان والتوجه - عوضاً عن ذلك - إلى خلق أمجاد جديدة وحديثة وجعل السابق دافعا ووقودا إلى اللاحق. - نقول عسى. * كاتب سعودي IdreesAldrees@