استطاع محمد عبده من خلال مسيرته الغنائية التي امتدت لأكثر من خمسة عقود، أن يجعل كثيرا من أغنياته فواصل أو مواقف نسترجع بها ذكرياتنا المندثرة وأيامنا الغابرة منذ أيام الصبا، مروراً بالمراهقة ثم سنوات الطيش ثم النضج حتى بلغنا الأشد، وهو في كل ذلك يطلق أغنية فتكون مع موالاة السمع والترنم علامة فارقة لمرحلة زمنية محددة، لقد استمر أبو نورة يضع بصمته على ألبوم أيامنا وتصاوير عمرنا، ثم تشكلت مع السنين أجندة لظلال الأيام الماضية، بحيث كلما سمعت أغنية بعينها لمحمد عبده أضاءت لمبة على الماضي البعيد، حيث يكمن أصدقاء الطفولة وجيران الأمس ومعشوقات المراهقة، فقد كنت جاهزاً للدخول كل يوم في قصة حب عذري ! كانت أغنياته تسقي شتلة الوله التي كانت تنمو شيئاً فشيئاً، ثم تحتضر أيضاً رويداً رويداً إيذاناً بالدخول في قصة حب أخرى. لقد اكتسبت شعبيات وسلطنات وتطريبات أبي نورة الإجماع في جيلنا، مما يحدونا لنسترجع مع كل أغنية ذكرى أو موقفا بعينه. عندما نبت الحب جاءت (لا والذي صورك ما لاق للعين غيرك ولا سوى بي أحدٍ سواتك) وعندما غادر الحب حضرت (يا غايبة إلا عن الخافق سلام) وعندما صار الهجران حتماً مقضياً جاءت (طال السفر والمنتظر مل صبره) ثم لما أدركنا أننا نتوهم الحب ونعيشه من طرف واحد صرخنا (أيوه قلبي عليك التاع) ولهذا (أبعتذر عن كل شيء إلا الهوى ما للهوى عندي عذر) وهكذا فإن محمد عبده وطن من الذكريات التي لا تنمحي، فهو حاضر في كل حالاتنا حزناً وفرحاً ونجاحاً وفشلاً، ولأننا نحب محمد عبده (من بادي الوقت) فإن صوته سيبقى (على البال) متسيداً ذاكرتنا وشامخاً في جميع (الأماكن). ثم إن الأكيد هو في كون محمد عبده قد أصبح مرحلة فنية سعودية وخليجية وعربية، وأنه قد ترك بصمته الجميلة وذائقته الرفيعة على أوتار أسماعنا وشغاف قلوبنا؛ لأنه قد ربط ببعض طربياته مراحل من عمرنا حتى تداخل ببعض أغنياته في سيرة حياتنا وجدول أيامنا. متعك الله بالصحة وطول العمر يا أبا نورة. IdreesAldrees@