يومًا نُحَب و يومًا نُكره فنصبح «كرتاً» بلا رصيد بل نصبح بلا «كرت» عندهم، هذا يا صديقتي هو طبع البشر، رغم أن حبك لهم متدفق كنهر، ورغم صفائك وتضحيتك لهم عُمراً، لكنهم يتقلبون و«ودك ينسون»، فلا تكثري عليهم التأسف ولا ترهقي العيون، خابت فيهم الظنون، شككنا يوماً بأنهم غير البشر وبأنهم سيحفظون لنا محبتنا وعطاءنا وسؤالنا الدائم عن أحوالهم ورجاءنا المستمر للخير لهم ودعاءنا بجوف الليل بالحفظ من العليم الحفيظ لهم لكنهم بشر! قرأنا كثيراً عن عدم الوفاء وسمعنا أكثر عن الصد وعدم السؤال بل والتجاهل لكننا ظننا أنهم «غير»، وأن أفئدتهم حنونة عطوفة رحيمة كأفئدة الطير، لكن طبع البشر غلب عليهم فلا أسف! قال الشاعر الأموي، يزيد بن الحكم الثقفي، ينصح ابنه: يا بدرُ، والأمثالُ يضربُها لذي اللُّب الحكيمُ دُمْ للخليلِ بودِّهِ ما خيرُ وُدٍّ لا يدومُ واعرفْ لجاركَ حقَّهُ والحقُّ يعرفُهُ الكريمُ واعلمْ بأن الضيفَ يوماً سوفَ يَحمدُ أو يلومُ واعلَمْ، بني، فإنه بالعلمِ ينتفعُ العليمُ إن الأمور دقيقُها مما يهيجُ له العظيمُ والبغيُ يصرعُ أهلَهُ والظلمُ مرتعُهُ وخيمُ ولقد يكونُ لك البعيدُ أخاً، ويقطعك الحميمُ علَّمتنا الأيام والسنون وأفادتنا التجارب وخيبة الظنون، فصرنا نعرف ضياع محبتهم من عيونهم من نظراتهم من تصرفاتهم من تجاهلهم، رائحة الحب لا تخفى كرائحة الياسمين، وأيضاً رائحة الكره لا تخفى ولو غلفها اهتمام خادع ولو دام سنين، يا صديقتي أخبري كرسي الجلوس أننا مللنا الانتظار، أخبري كل ركن في البيت وكل جدار أن أدمعنا جفَّت من صدودهم وهدأ الإعصار وأن وفاءهم تبخَّر رغم أننا رويناه من قلبنا أعماراً وأعماراً، علمتنا الأيام والسنون أن عطفهم ولَّى وتراحمهم لنا عنا تخلّى وقد ظهر هذا جلياً واضحاً في صد الكبار وهمس الصغار. اليأس من أكثر الناس راحة ورحمة، فاقطع رجاءك في ودادهم فهذا محض خيال ليس له أساس.