هل جاء تزامن زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى الدوحة قبل أيام مع زيارة وفد الحوثيين إلى طهران واستقباله من قبل علي خامنئي مجرد صدفة؟ أم أن الرسالة المكتوبة التي تلقاها أمير قطر تميم بن حمد من الإيرانيين هي نفسها التي سمعها الحوثيون مباشرة من الملالي في طهران؟ وهل نحن بصدد تشكل تحالف جديد بالمنطقة يزاوج بين تحالف الأقليات الذي رعته إيران وتحالف الدول «المنبوذة» بالمنطقة الذي بدأت تتضح ملامحه بالمنطقة ونواته المحور الإيراني التركي القطري؟ وقد يضم دولا أخرى مثل لبنان ! تساؤلات يطرحها المراقب بتمعن وسط تطورات المنطقة المتسارعة والمشرعة على كل الاحتمالات. لقد أثبتت الأحداث التي شهدتها المنطقة طيلة العقود الأربعة الأخيرة أن لاشيء يتقنه الإيرانيون في التعاطي مع أزمات المنطقة أكثر من لعبة الوقت، لقد أداروها بشكل متقن وببراعة لا يمكن إنكارها فكسبوا خصومهم العرب بالنقاط بعد أن خسروا المواجهة العسكرية معهم في الحرب مع العراق. لكن عشاق الأزمات في طهران البارعون في توظيفها لمصلحة مشروعهم الطائفي والقومي هم الآن في أزمة حقيقية ومأزق مصيري بعد أن أحكم الكاوبوي الأمريكي قبضته على رقبتهم وجعلهم بالكاد يتنفسون، ولأنهم لا يريدون الإذعان للشروط الأمريكية وفي نفس الوقت لا يستطيعون خوض الحرب من أجل فك الطوق عنهم، ولأنهم موقنون أن الأمريكان أيضا لا يريدون شن حرب عليهم، فهم يلعبون لعبتهم المفضلة في إدارة وقت الأزمة، وبناء التحالفات التي تسمح لهم بهامش من المناورة وتحد من الأضرار التي تنجم من العقوبات الأمريكية عليهم. الملالي وإستراتيجية «الغيب». لقد تلقى الإيرانيون نصيحة من صديقهم وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري ملخصها «قطعوا الوقت حتى موعد الانتخابات الأمريكية القادمة على أمل أن يعود الديمقراطيون للبيت الأبيض» ! لكن وماذا إن فاز ترمب بدورة رئاسية جديدة؟ عندها سيبنى على الشيء مقتضاه ! كل شيء في علم الغيب.. وعلى هذه القاعدة يبني ملالي طهران إستراتيجيتهم لتقطيع المرحلة، فلا مفاوضات مع الأمريكان إلا بتخفيف العقوبات، ولهذا رفض الملالي السماح لوزير خارجيتهم جواد ظريف تلبية دعوة ترمب للقاء في البيت الأبيض، فهم يعلمون جيدا أن أي مفاوضات مع الإدارة الأمريكية الحالية تحت ضغط العقوبات المشددة تعني الهزيمة والاستسلام والإذعان، فالشروط الأمريكية واضحة ومعلنة، وهي السقف الذي وضعته الخارجية الأمريكية للتفاوض مع النظام الإيراني المارق. فيما الإيرانيون لا يمانعون من الدخول بمفاوضات شكلية لتقطيع الوقت شريطة أن يحصلوا على تخفيف العقوبات لحفظ ماء الوجه وبقدر يسمح لهم بالاستمرار بإدارة وقت الأزمة في وضع أفضل مما هم عليه الآن حيث يكاد النظام ينهار جراء العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتزايدة والتي تنخر عظامه. وفي إطار لعبة شراء الوقت، والتذاكي دعا النظام الايراني جيرانه الخليجيين للحوار.. لكن دعوته لم يأخذها أحد منهم على محمل الجد، فلا ثقة بنظام الملالي الذي لا يتقن لغة سوى لغة الخناجر، ولا يجيد الحوار إلا عبر بنادق مليشياته التي زرعها في خاصرة أكثر من بلد عربي لتقويضها وهز استقرارها وتهديد وحدة شعوبها وترابها. وبناء على هذه المعطيات وضع الإيرانيون إستراتيجيتهم للتعاطي مع أزمتهم الحالية والتي قد تكون موضوع الرسائل بين ملالي إيران وحلفائهم في قطروتركياوسوريا وصعدة وغزة والضاحية الجنوبية ومع الموالين لهم في العراق ودول أخرى.. إنها على الأرجح إستراتيجية الطريق إلى الجحيم. نظام الحمدين.. مراكمة الأخطاء نظام الحمدين «المنبوذ» من جيرانه، يجد نفسه في حالة شبيهة بالحالة الإيرانية، وهو يعيش المأزق نفسه منذ أكثر من عامين، فلا هو قادر على الإذعان والقبول بالشروط التي وضعتها الدول الأربع المقاطعة لها «وهي بالمناسبة أكثر بشرط واحد من الشروط الأمريكية على إيران» ولا هو قادر على كسر المقاطعة المحكمة التي فرضت عليه من جيرانه، فكان خياره الصعب هو اللعب على الوقت بالتحدي والمناكفة ومحاولة رفع كلفة المقاطعة على الدول الأربع من خلال توظيف آلته الإعلامية بشن حرب إعلامية فاجرة وقذرة لعلها تجبر خصومه على السعي إلى تسوية بأقل من الشروط ال 13 المعروفة، ولم يكتف نظام الدوحة بالحرب الإعلامية وذهب إلى أبعد من ذلك عبر توثيق علاقاته السرية مع خصوم العرب التاريخيين في تركياوإيران ومع تحالف «الأقليات» الذي يضم حماس وحزب الله والحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق، وهو في هذه السياسة يبدو وكأنما يسير في حقل من الألغام، ذلك أن حليفه الأمريكي يراقب بشكل دقيق سلوك النظام القطري في علاقاته وسياساته الخارجية، والقطريون تلقوا رسالة واضحة وشديدة اللهجة من واشنطن بأنها لن تتسامح مع أي محاولة لمساعدة النظام الإيراني على كسر العقوبات أو التفلت منها بأي شكل من الأشكال. ومشكلة نظام الحمدين في قطر أنه كلما تمادى في حملته الإعلامية ضد جيرانه الذين نبذوه، وكلما أوغل في التآمر عليهم مع خصومهم، كلما أدى ذلك إلى تضاؤل فرص خروجه من أزمته بعكس ما كان يظن، فالسلوك القطري منذ القطيعة معه عمق من أزمته مع جيرانه وزاد من مرارتهم تجاهه، وكرس عدم ثقتهم به، وأكد قناعتهم بصواب قرار عزله ومحاولة استئصاله كما يستأصل المرض الخبيث من الجسم. وإذا كانت ازمة النظام الإيراني ستراوح مكانها على حالة التوتر المضبوط والممسوك تحت سقف محدد حتى موعد الانتخابات الأمريكية القادمة وما ستفرزه من نتائج، فمن الواضح الآن أن أزمة نظام الدوحة ستبقى مفتوحة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. فالنظام الذي خرج من محيطه العربي الذي يتشارك معه حتى بالهواء وربط مصيره بلحية خامنئي وطربوش أردوغان وضع مستقبله من حيث يدري أو لا يدري على خط الزلازل وعليه أن يتحمل نتائج قراراته الانتحارية.. ذلك أن الحبل الأمريكي يلتف حول أعناق حلفائه في إيرانوتركيا وهذا يزيد من مأزقه، ويصبغ مستقبله بالبون الأسود القاتم. أردوغان يتقهقر وماذا عن تركيا؟ إنها وإن بدت حتى الآن أفضل حالا من إيران ومن قطر، فإن الأخطار التي تتهدد أردوغان وحكومته داخليا وخارجيا لا تقل خطورة عما يواجهه الحليفان الإيرانيوالقطري، فالرئيس التركي الذي كان يخطط أن يكون (سلطان البرين وخاقان البحرين) أصبح يناضل من أجل أن يحتفظ بكرسيه رئيسا ضعيفا لتركيا، بعد أن قوضت الانتخابات البلدية الأخيرة مكانته وحزبه في المعادلة السياسية التركية على نحو قد تجبره لخوض انتخابات مبكرة غير مضمونة النتائج بالنسبة له. أما خارجيا فإن أردوغان يتقهقر في أكثر من ملف، والخطوط الحمراء الأمريكية تكبله في علاقاته مع الروس والإيرانيين، وهو يدرك جيدا أن أي تجاوز لهذه الخطوط يضع اقتصاده وليرته في مهب الريح، وقد جرب ذلك قبل أشهر، ولا أظنه سيحاول تكرار التجربة، فهو أكثر من يدرك أن زعزعة الاقتصاد التركي رهن الإرادة الأمريكية. ومع هذا فإن الرئيس التركي يحاول أن يتحرك بالهامش المتاح له، ومثلما أن ملالي طهران يستخدمون الأحزاب والمليشيات الشيعية الطائفية لزعزعة استقرار الدول العربية لخدمة المشروع الإيراني، فإن أردوغان يستخدم الإخوان المسلمين لذات الغرض، وهو وإن ترك العراقوسوريا واليمن للإيرانيين فهو يتشبث بقطر وليبيا ومصر والسودان ويتعاطى معها على أنها ولايات عثمانية ينبغي استعادتها، ومن أجل هذا يستضيف قادة الإخوان وينخرط بدعم مشروعهم للوصول إلى كراسي الحكم في البلدان العربية، وعينه أيضا مثل حليفيه القطريوالإيراني على الانتخابات الأمريكية على أمل أن يعود الديمقراطيون للبيت الأبيض لإحياء المشاريع المشتركة معهم التي تجمدت بخسارتهم الانتخابات الماضية. لعبة الوقت.. والساعة الأمريكية وبالجملة فالوضع بالمنطقة مضبوط على ساعة الانتخابات الأمريكية القادمة، وحتى ذلك الوقت يحاول كل طرف تقطيع الوقت بأقل قدر من الخسائر، لعل الانتخابات القادمة تفرز نتيجة تغير المعادلات بالمنطقة. إسرائيل من جانبها ماضية في إستراتيجية المواجهة العسكرية مع إيران ومليشياتها في سوريا بضوء أخضر أمريكي روسي، عبر توجيه ضربات موجعة للمعسكرات الإيرانية ومستودعات الاسلحة في سوريا، ومؤخرا قام الإسرائيليون بنقلة نوعية في هذه المواجهة عبر شمول العراق بهذه الضربات حيث تعرضت معسكرات ومستودعات أسلحة للحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له بالقرب من بغداد إلى ضربات قوية قتل فيها جنود إيرانيون، والغريب أن إيران لا تزال تمتنع عن الرد، رغم قتل العشرات من جنودها في الضربات الإسرائيلية المستمرة !