ما يجري في طول الوطن وعرضه ليس مجرد رؤية، إنها نهضة بكل معنى الكلمة، لذلك يجب أن يتوقف الحديث عن رؤية 2030 ويعاد تسميتها إلى نهضة 2030 مع أننا ما زلنا في عام 2019. هذه ملاحظات وخواطر مواطن يزور بلاده بعد غياب، وربما تكون أكثر دقة من ملاحظات المواطن المقيم، نظرا لأن حس المقارنة أكثر تحفزا بحكم تباعد الأزمنة. إن ما حققته المملكة العربية السعودية في مجال الحكومة الإلكترونية إنجاز يستحق الفخر، وهنا يجب أن لا تقارن المملكة نفسها بدول العالم العربي، بل بالدول العظمى في العالم، وليس من قبيل المبالغة القول بأن ما حققته المملكة في هذا الباب لن تجده في بعض الدول العظمى. على سبيل المثال، يتحدث أحد رجال الأعمال بارتياح عن تطورات حركت حياته المهنية إيجابيا بفضل المنصات الإلكترونية الرائدة: 1- نهاية معاناته مع المعقبين ومكتب العمل. 2- نهاية معاناته في متابعة مستحقاته من وزارة المالية. 3- سهولة تسيير معاملاته في وزارة العدل. أما الحديث عن خدمات وزارة الداخلية في هذا السياق، فيستدعي -بكل أمانة وموضوعية- الانتقال من النثر إلى الشعر. باختصار -ومن خلال تجربة شخصية طازجة- لقد أصبحت كل الخدمات -سواء كانت حكومية أو غيرها- في هاتفك الذكي، وليس بينك وبين ما تريد إلا ضغطة زر، وهذه الرفاهية/ الحق ليست متوفرة في أوروبا فضلا عن العالم العربي. وهنا لا بد من لفت مؤسسات الدولة إلى فكرة جديرة بالاهتمام والتأمل: كما تتبرع المملكة لهذه الدولة أو تلك بمشروع مدرسة أو مستشفى أو طريق أو جسر، ما الذي يمنع أن تتبرع المملكة بحكومة إلكترونية للدول المتخلفة عن ركب الحداثة، بحكم أن النظام الإلكتروني السعودي ناجع ومتكامل، وبحكم أن الاستفادة المباشرة للشعوب الصديقة ستكون أوقع وأشمل. أتاحت لي هذه الزيارة مقابلة صديق اعتدته ناقدا على الدوام، لكنه هذه المرة فاجأني: 1- أشاد بتطور السلوك الاستهلاكي للمواطن السعودي. 2- أبدى ارتياحه لاندماج الاقتصاد السعودي مع الاقتصاد العالمي. والنقاط التي ذكرها مهمة، لكن الأهم -من وجهة نظري- هو أن عقلا انتقل من حال التذمر إلى حال الإشادة أو المراقبة لأنه يرى تغييرا يتشكل أو إنجازا يتحقق. سألت صديقي الناقد مباشرة، لو عرض عليك الاستثمار في المشاريع الجديدة كنيوم أو البحر الأحمر، ماذا سيكون قرارك وفق معايير اقتصادية صرفة، فأجاب: سأستثمر بلا تردد، لأن أوضح تعريف للاقتصاد هو الاستثمار في المستقبل. وننتقل إلى الترفيه وموسم جدة، إذ شهدت لأول مرة فعاليات ترفيهية بلا منغصات، شاهدت الشباب والشابات السعوديين يحضرون الفعاليات المبهجة بكل احترام وطبيعية كما يجري الأمر خارج البلاد، الفرق هذه المرة، أن الطبقة السعودية المتوسطة أصبحت أمامها خيارات حقيقية ومتنوعة في وطنها ولله الحمد، وهنا من الواجب شكر هيئة الترفيه على عملها المذهل، إذ استطاعت -تقريبا- أن تجلب العالم إلى أهل جدة من بوابة الترفيه. ولم تكن آخر المفاجآت السارة التعديلات التي أدخلتها الحكومة على نظام الأحوال المدنية ووثائق السفر، وأهمية هذه التعديلات أنها ساوت المرأة بالرجل وحمتها من أي تعسف اجتماعي محتمل أو قائم، وفي هذه الخطوة تكريس لنضال الدولة التاريخي من أجل تمكين المرأة أمام التطرف والمحافظة، إضافة إلى المضي قدما في تحقيق أهداف ومنظومة رؤية/ نهضة 2030. إن هذه التحولات تضع أمام صاحب القرار والمواطن مسؤولية مشتركة، إذ ارتفع طموح صاحب القرار، وارتفع سقف آمال المواطنين، وما تثبته الأيام -في كل لحظة- أن حسن الظن بين الطرفين لن يخيب أبدا. * كاتب سعودي